والمتأخر نكون قد أنصفناه بلا شك فهو نقطة بداية بمعنى ان الثقافة الفلسفية والكلامية الاسلامية اتخذت اتجاها جديدا بعده وهو ملتقى الطرق بين المتقدم والمتأخر بمعنى أن الثقافة الاسلامية الفلسفية والكلامية التقليدية قد انتهت إليه واذا جاز التعبير فان منزلته تعادل منزلة ارسطو فى الثقافة اليونانية من حيث الأهمية. لقد استطاع الالمام بكل ما توصل إليه الأقدمون ثم صاغه فى قالب جديد. ونعتقد أن هذا يكفى لأن تفتخر به الثقافة الاسلامية.
لقد قسم الرازى كتاب المحصل الى أربعة أقسام :
١ ـ القسم الأول فى مبادي المعرفة ومصادرها وكيفية اكتسابها.
٢ ـ القسم الثانى فى الموجود والأشياء الموجودة وترتيبها وخصائصها المميزة بعضها من بعض.
٣ ـ القسم الثالث فى اثبات المبدأ الأول وواجب الوجود ومصدر كل الموجودات.
٤ ـ القسم الرابع فى السمعيات وما يدخل فيها من نبوة ، وآراء الفرق المختلفة النشأة من فهم النصوص والأخبار.
لم يكن الرازى السبّاق لمثل هذا التقسيم. فان ابن سينا يذكر فى أول الاشارات بانه يبدأ بالمنطق ثم بالأشياء الطبيعية وثلث بما بعد الطبيعة. ان هذا النهج مفيد ونافع للقارىء حيث انه يتبين له لأول وهلة ما ذا يحتوى الكتاب وما هى الغاية منه وكأن المؤلف قد لخص كتابه للقارىء ببضع كلمات ليشوقه ويجعله يستمر فى القراءة. وهكذا نرى أن من سبق فخر الدين الرازى من المتكلمين قد اتبع هذا النهج لقد كان العلماء يبوبون كتبهم مبتدئين أولا بنظرية المعرفة ثم بأنواع الأدلة والكائنات الطبيعية كما درجوا الى البحث عن وجود الله تعالى ثم النبوات. وكأنهم رأوا قبل كل شيء أنه من الضرورى الايمان بالله تعالى ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم لأن ذلك يجعل الانسان مدركا لمدى المعرفة ولأن الله تعالى قال : «فاعلم انه لا إله الا الله» ، ومن ثم ليعرف بأن هناك كائنات حية