الحقيقى هو مستوى طرفى العدم والوجود محتاج الى مؤثر ؛ وطرفه العدمى أيضا محتاج الى المؤثر لأن يكون موجودا ولا غبار فيه ، والا كيف يمكن أن يكون موجودا ، فان عدم الوجود سابق على الوجود فى الممكن الموجود ، واذا لم نعتبر الحاجة هنا يعنى فى الممكن حالة عدم وجوده كيف ، يمكن أن يكون موجودا فيما بعد ، ينبغى ألا يكون هناك أى مانع من أن العدم الممكن محتاج الى المؤثر ، وبطبيعة الحال الممكن محتاج الى المؤثر حال عدمه لأن يكون موجودا وحال وجوده لأن يكون وجوده دائما ومستمرا ولذلك يحتاج الممكن الموجود الى المؤثر فى الوجود والدوام.
فى الجملة ، ان الممكن فى كلتا الحالتين الوجود والعدم محتاج الى المؤثر نظريا فى حالة العدم ، لأننا نفكر أنه سيكون موجودا بمؤثر ، وفى هذه الحالة هو معدوم ومحتاج. والممكن محتاج الى المؤثر وجوديا فى حالة الوجود ليستمر وجوده.
ويقول فخر الدين الرازى فى ترجيحه الامكان على الحدوث بناء على تعليله ماهية الامكان. ويظهر من عبارات الرازى فى ترجيحه هذه المرة أنه بالامكان يستطيع الانسان أن يثبت استمرارية ودوام الحاجة ؛ يقول بهذا الصدد :
(١) «والممكن حال بقائه ، لا يستغنى عن المؤثر ، لأن علة الحاجة الامكان والامكان ضرورى اللزوم للماهية الممكنة ، فهى ابدا محتاجة. لا يقال إنه صار الوجود أولى به حال البقاء. لأنا نقول هذه الأولوية المغنية عن المرجح ، ان كانت حاصلة حال الحدوث ، وجب الاستغناء عن المؤثر حال الحدوث ، وان لم تكن حاصلة حال الحدوث فهو أمر حدث حال البقاء ؛ ولو لاه لما حصل الاستمرار. فالشيء حال استمراره مفتقر الى المرجح» (٦).
يشير الرازى فى هذه العبارات الى ماهية الممكن ، وهى أن الماهية ليست غنية عن المؤثر. ان ماهية الممكن كما بينا آنفا ، اذا اخرجت من العدم الى
__________________
(٦) المحصل ٥٤.