فأصبحت الفلسفة تدرس بين سطور علم الكلام والتصوف بقدر ما أعطيت من العناية.
وبعد عهد الرازى (٦٠٦ ه ، ١٢٠٩ م) وشهاب الدين السهروردى (٥٨٧ ه ، ١١٩١ م) لا نصادف فيلسوفا حقيقيا. لأن محبى الفلسفة اكتفوا منها بالقدر الّذي دخل فى علم الكلام والتصوف وبسبب ذلك لم ينم التفكير الفلسفى المحايد الحر ؛ لأن منشأ التفكير الفلسفى وسبب تقدمه فى الحقيقة هو التفكير الحر المحايد التام.
والمعلوم أن التفكير الفلسفى لا يخطو الى الإمام الا فى ظل جو يسوده التفكير الحر الّذي لا يخضع لا غلال تقيده ، تلك الأغلال التى من شأنها أن تطفئ اللهب المتوقد فى سماء فسيحة رحبة.
والّذي لا بد من قوله هنا هو أن الفلسفة انما تنتج وتثمر اذا درست لذاتها لا من أجل غيرها. ولهذا يجب أن تدرس الفلسفة من أجل التفلسف فقط. ولكن فخر الدين الرازى خالف ذلك عند ما دمج الفلسفة بالكلام ، بحيث أصبحت الفلسفة تدرس من خلال علم الكلام. واذا كان علم الكلام قد استفاد من الفلسفة فى بداية الأمر فانه توقف عند ما توقفت الدراسات الفلسفية وأعتقد ان الأستاذ اسماعيل حقى الإزميري قد أخطأ عند ما جعل سيف الدين الآمدي اوسع علما بالفلسفة من فخر الدين الرازى (١).
الثانية ـ واذا كان الرازى قد أدخل الفلسفة فى علم الكلام فانه ـ على ضوء فلسفة ارسطو التقليدية ـ قد أعطى اتجاها جديدا لعلم الكلام ، فأثر بذلك على الفكر الاسلامى وقد ظهر تأثير الرازى جليا فى غيره من خلال بقاء العديد من العلماء والمفكرين أسرى اتجاهه ومنهجه بعد ذلك (٢). لقد أدى هذا التيار
__________________
(١) أزميرلى اسماعيل حقي ، يكى علم الكلام علم الكلام الجديد ، جلد ١/٨٧ استنبول ، اوقاف اسلامية مطبعة سى. ١٣٣٩.
(٢) يبدو واضحا عند من يقارن المحصل مع متن «طوانع الانوار» للقاضى عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة ٦٨٥ ه ـ ١٢٨٦ م. ان اول من اقتفى اثر المحصل هو القاضي اليضاوي في متنه المذكور وهو لم يكتف بالسير على نهج المحصل