الوجود الخارجيّ في الذهن ، فهو خلاف الفرض ، مع أنّه يستلزم المطلوب أيضا ، وهو حصول الأشياء بماهيّاتها في الذهن.
فإن قلت : ما ذكرته إنّما ينفي أن يكون الأشياء التي لا وجود لها في الخارج موجودة في الذهن بأشباحها ، ولا ينفي أن يكون الأشياء التي لها وجود في الخارج موجودة في الذهن بأشباحها. فلعلّ القسم الأوّل موجود فيه بمهيّته ، والقسم الثاني موجود فيه بشبحه.
قلت : هذا الفرق تحكّم لا دليل عليه ولا باعث له ، بل العقل السليم يحكم بأنّه إذا كان وجود الأشياء في الذهن بماهيّاتها في بعض الموادّ ، يجب أن يكون في الكلّ كذلك.
فإنّ قلت : لعلّ الداعي إلى هذا الفرق هو الفرار عن الإشكالات الموردة على تقدير وجود الأشياء الموجودة في الخارج بماهيّاتها في الذهن ، على ما سيأتي بيانها ، حيث إنّها لا ترد على القول بالأشباح.
قلت : هذا لا يمكن أن يكون داعيا إليه ، فإنّ تلك الإشكالات كما يمكن دفعها على تقدير القول بوجود الأشياء بأشباحها في الذهن ، كذلك يمكن دفعها على تقدير القول بوجودها بأعيانها وماهيّاتها فيه ، كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأيضا نقول : إذا كان وجود الأشياء مطلقا في الذهن عبارة عن حصول ماهيّاتها فيه ، لا يخفى أنّه يسهل الخطب في سراية العلم بتلك الماهيّات ـ التي هي معلومة بالذات ـ إلى العلم بتلك الحقائق الخارجيّة التي هي معلومات بالعرض ، والحكم عليها وإثبات المحمولات لها. سواء كانت تلك المحمولات ذاتيّات لتلك الحقائق ، أو عرضيّات لازمة أو مفارقة ، فإنّ تلك الماهيّات هي عين تلك الحقائق باعتبار الذات ، وإن كانت مغايرة لها باعتبار الوجود ، فيصحّ جعل تلك الماهيّات آلة لملاحظة تلك الحقائق وتعرّف أحوالها.
وأمّا على تقدير القول بأنّ وجود الأشياء في الذهن عبارة عن حصول أشباحها فيه ، فيصعب الخطب في ذلك ، لأنّ تلك الأشباح لا يخفى أنّها مغايرة لذوات الأشباح بحسب الذات وفي أكثر الجهات ، وإن كانت مناسبة لها من بعض الوجوه. فلا يعلم أنّ العلم بها هل يمكن أن يسري إلى العلم بتلك الحقائق الخارجيّة أم لا؟ وبذلك يصعب الخطب.