أصل الماهيّة المنتزعة من الإنسان الحاصلة في كلّ من الذهنين واحدة بحسب الذات والحقيقة ، مع قطع النظر عن الخصوصيات الذهنيّة. وكذلك تكون هي بهذا الاعتبار عرضا ، حيث إنّها قائمة بموضوع وموجودة في موضوع هو تلك النّفس التي هي حاصلة فيها قائمة بها ، سواء كانت هي صورة منتزعة من جوهر أو من عرض. وهذه الصّورة بهذا الاعتبار وإن كانت جزئيّة ، إلّا أنّ مدركها هو النّفس بذاتها ، لكونها حاضرة عندها. كما أنّ مدركها بالاعتبارين الأخيرين الآتيين أيضا هو النّفس بذاتها. وما اشتهر عندهم من أنّ النّفس لا تدرك بذاتها الجزئيّ من حيث هو جزئيّ ، فإنّما هو في الجزئيّات المادّية المحفوفة بالعوارض المادّيّة ، وأمّا الجزئيّات المجرّدة عنها ، فهي تدركها بذاتها.
ثمّ إنّه حيث قلنا بوجود الطبيعة من حيث هي في ضمن وجود الشخص ، فتكون هي أيضا في ضمن وجود هذه الصّورة الخاصّة التي ذكرنا حالها ، وبتوسّطها موجودة نحو وجودها العينيّ أضعف منه ، يترتّب عليها ما يترتّب على وجود تلك الصورة من آثارها المذكورة ، حيث إنّ مقتضى القول بوجود الطبيعة من حيث هي في ضمن الفرد ، أنّ ما يترتّب على ذلك الفرد من الآثار ، يترتّب عليها أيضا بأيّ وجود كان لذلك الفرد ، ولذلك تكون تلك الطبيعة في ضمن تلك الصّورة الخاصّة جزئيّة ، وإن كانت هي في حدّ ذاتها ومن حيث هي لا جزئيّة ولا كلّيّة ، وكذا تكون عرضا مثلها وإن كانت هي ماهيّة جوهرا ، لأنّ ثبوت هذه الصّفات للطّبيعة من حيث هي في ضمن تلك الصّورة ، إنّما هو بالعرض لا بالذّات ، فإنّها من حيث ذاتها ليست إلّا هي ، من غير اعتبار أمر آخر معها ، كما ذكرنا حالها سابقا.
ثمّ إنّ تلك الماهيّة الحاصلة في العقل إذا أخذت على أنّها مجرّدة عن هذا الوجود العقليّ أيضا كما أنّها مجرّدة عن سائر الوجودات العينيّة الخارجيّة وعن توابعها. وبالجملة ، إذا أخذت بشرط لا شيء بالنّسبة إلى كلّ وجود عينيّ وتوابعه ، ومع هذا أخذت مقيسة إلى الأشخاص التي تكون لها ـ إن كان يفرض لها أشخاص ـ ومقولة عليها ، محمولة عليها ، مشتركة بين كثيرين ، كان لتلك الماهيّة في العقل وجود ذهنيّ ، أي وجود