العوارض لا بعمله. وهذا كما أنّ المعقول من الممتنعات والمعدومات في الخارج ليس إلّا ماهيّاتها المجرّدة عن الوجود الخارجيّ وعن توابعه ، ومع ذلك فليس يحتاج العقل إلى عمل في تجريدها عنها ، إذ ليس لها وجود عينيّ أصلا حتّى يجرّدها العقل عنه ، بل هي إنّما تحصل في العقل مجرّدة عنها على ما هي عليه في الواقع.
فظهر أنّ المعقول من تلك الجواهر المفارقة أيضا يخالف حقيقتها بوجه ، كما في تلك الصّور الكلّيّة ، فجاز أن تكون حقائقها جواهرا ، والمعقول منها عرضا ، وحينئذ فلا نقض بالجواهر المجرّدة التي وجودها زائد على ذواتها ، ويمكن تجريدها عنه.
نعم لو كان شيء من الأشياء ممّا لا يمكن تجريده عن الوجود الخارجيّ ، لأجل كون وجوده عين ذاته ، وكون تجريد الشيء عن نفسه ممتنعا ، كما فى ذات الواجب تعالى ، فليس هناك حقيقة وماهيّة متغايرتان ، بل أنّ ماهيّته عين حقيقته ، وهما عين وجوده بالحقيقة ، ولا يمكن هناك حصول ماهيّته مجرّدة عن الوجود الخارجيّ في العقل ، حتّى يمكن له أن يدركه. ولذلك قالوا : إنّه لا يمكن للعقل إدراك كنه ذاته تعالى ، ومعناه : أنّه ليس له كنه ، حتّى يمكن أن يعقل ، إذ الكنه عبارة عن الماهيّة المجرّدة عن الوجود الخارجيّ ، وهي منفيّة في شأنه تعالى وتقدّس. لا أنّ له كنها ولا يمكن إدراكه ؛ فتبصّر. وهذا الذي ذكرنا هو تلخيص السّؤال والجواب مع بعض زوائد.
وأمّا تحرير كلام الشيخ فيهما ، فهو أنّه لقائل أن يقول : فماهيّة العقل الفعّال والجواهر المجرّدة المفارقة أيضا يلزم أن يكون حالها ـ كما ذكرت في الجواهر ـ غيرها ، من كون حقائقها جواهر والمعقول منها عرضا ، إلّا أنّ ذلك لا يصحّ فيها ، لأنّ المعقول منها لا يخالفها ، لأنّها لذاتها معقولة من غير احتياج إلى تجريد في تعقّلها. وحيث لم يكن هناك اختلاف في الذّات ، باعتبار الوجود العينيّ والذّهنيّ ، فمن أين يحصل الاختلاف بالجوهريّة والعرضيّة؟
فنقول في جواب هذا القائل : إنّه ليس الأمر كما ذكرت : من أنّ المعقول منها لا يخالفها ؛ فإنّ معنى قولنا : «إنّها لذاتها معقولة» هو تعقّل ذاتها بذاتها ، وإن لم يعقلها غيرها ،