الأشياء بأشباحها في الذهن. وقد بيّنا بطلان هذا المذهب ، وبيّنا أنّ تلك الصورة عبارة عن ماهيّات الأشياء بأعيانها في الذهن مجرّدة عن المادة وعن علائقها ، فتذكّر.
ومثل ما قيل : سلّمنا كون تلك الصورة مساوية للمعلوم في تمام الماهيّة ، لكن لا نسلّم أنّ اتّصاف النّفس الناطقة بهذه العوارض يقتضي اتّصاف ما يحلّ فيها بها ، فإنّ اتّصاف المحلّ بصفة ، لا يوجب اتّصاف ما حلّ فيه بها. ألا يرى أنّ الجسم يتّصف بالبياض ، مع أنّ الحركة الحالّة فيه لا تتّصف به؟ سلّمناه ، لكنّ اتّصاف الصورة الحالّة في النفس بهذه العوارض من قبل محلّها ، لا ينافي تجرّدها عنها بحسب ذاتها. وبعبارة أخرى ، يمكن أن تكون تلك الصورة بالذّات مجرّدة ، وبتوسّط محلّها مادّيّة. أي أن يكون كونها مادّيّة بالعرض ، كما في الطبيعة من حيث هي ، فإنّ طبيعة الإنسان مثلا من حيث هي هي مجرّدة ، وهي من حيث وجودها في ضمن الأشخاص الخارجيّة مادّيّة.
ويؤيّد ذلك أنّه إذا جاز أن يكون الشيء بحسب وجوده العينيّ جوهرا ، وبحسب وجوده الذّهنيّ عرضا كما ذكرت ، فلم لا يجوز أن يكون الشيء بحسب ذاته من حيث هي ، أو بحسب ذاته من حيث الوجود العينيّ مجرّدا عن المادّة وتوابعها ، وبحسب وجوده الذّهنيّ مادّيّا محفوفا بها.
فإنّ هذا الاعتراض أيضا مندفع.
أمّا ما ذكره أوّلا ، فلأنّ اتّصاف الحالّ بصفة المحلّ إذا كان من شأن ذلك الحالّ أن يتّصف بتلك الصّفة أو بخلافها بالذات أو بالعرض ممّا لا يمكن إنكاره. وأمّا عدم اتّصاف الحركة بالبياض الذي موضعه الجسم الذي هو محلّها ، فإنّما هو لأجل أن ليس من شأن الحركة الاتّصاف بالبياض ولا بخلافه ، لا بالذّات ولا بالعرض.
وأمّا ما ذكره أخيرا ، فلأنّا قد بيّنّا فيما سبق ، أنّ تجرّد الصّورة العقليّة من غير الذّوات المفارقة إنّما هو في العقل ، باعتبار تجريد العقل تلك الماهيّة عن المادّة وعن عوارضها ، وأنّها بحسب الوجود الخارجيّ مادّيّة ومحفوفة بالعوارض المادّيّة ، فهي بحسب وجودها الذّهنيّ ، وكذا من حيث ذاتها من حيث هي التي هي بهذا الاعتبار حاصلة في العقل ،