وقوله : «وهذه اللفظة اسم لهذا الشيء لا من حيث هو جوهره (١) ، ولكن من جهة إضافة ما له ، أي من جهة ما هو مبدأ لهذه الأفاعيل. ونحن نطلب جوهره والمقولة التي يقع فيها من بعد ، ولكنّا الآن أثبتنا وجود شيء هو مبدأ لما ذكرنا ، وأثبتنا وجود شيء من جهة ماله عرض ما ونحتاج إلى أن نتوصّل من هذا العارض الذي له إلى أن تحقّق ذاته لتعرف ماهيّته».
أي أنّ هذه اللفظة كما عرفت معناها اسم لهذا الشيء ، لا من حيث جوهره وحقيقته في نفسه ، ولكنّه اسم له من جهة إضافة ما له ، أي من جهة ما هو مبدأ لهذه الأفاعيل التي ليست كأفاعيل الطبائع. وبعبارة اخرى : من جهة أنّه كمال لجسم ، ونحن نطلب جوهره في حدّ ذاته ، والمقولة الّتي يقع هو فيها من كونه جوهرا ، لا عرضا من بعد. ولكنّا الآن في هذا الإثبات إنّما أثبتنا بما ذكرنا : «أنّا قد شاهدنا أجساما تحسّ وتتحرّك بالإرادة» ـ إلى آخره ـ وجود شيء هو مبدأ لما ذكرنا من الأفاعيل ، وأثبتنا وجود شيء من جهة ماله عرض ما ، أي كونه مبدأ لما ذكرنا ، ومن جهة ما له إضافة ما. وكذلك نريد تحديده من هذه الجهة ، حيث أثبت أنّه ليس بجسم ولا مادّة لجسم ، بل جزء منه به يتمّ ويكمل كونه مبدأ لما ذكر ، ويتمّ كون النبات نباتا بالفعل ، وكون الحيوان حيوانا بالفعل ، وبالجملة جزء من الجسم النباتيّ والحيوانيّ ، بل الإنسانيّ ، يمكن أن يطلق عليه في بادي النظر الصّورة أو كالصورة أو الكمال أو كالكمال أو القوّة ، ثمّ فتّش وفحص عن ذلك ، وأدى تفتيشه وفحصه إلى أنّه ينبغي أن يطلق عليه الكمال ، لا مطلقا ، بل الكمال الأوّل لجسم طبيعيّ آليّ له أن يفعل أفعال الحياة كما بيّنه ؛ وسيأتي زيادة بيانه. ونحتاج أن نتوصّل من هذا العارض ومن هذا الحدّ الذي له بالإضافة إلى البدن ، إلى أن تحقّق ذاته لتعرف ماهيّته ، لا من حيث تلك الإضافة ، بل في حدّ ذاته ، ومن حيث كونه داخلا في مقولة الجوهر ؛ كما فعله وبيّنه في الفصول الآتية. ولعلّنا نشير إلى ما ذكره فيها أيضا إن شاء الله تعالى.
وقوله : «كأنّا قد عرفنا أنّ لشيء متحرّك محرّكا ما ، ولسنا نعلم من ذلك أنّ ذات هذا
__________________
(١) في الأصل : من حيث جوهره. ومرّت في ص ٩.