المحرّك ما هو؟» أي كأنّا في إثبات النّفس من جهة كونه مبدأ لتلك الأفاعيل ، ولم نعلم بعد حقيقتها وجوهرها في حدّ ذاتها ، مثل حالنا في إثباتنا أنّ لشيء ما يتحرّك محرّكا ما ، ولم نعلم منه حقيقة المحرّك. فكما أنّا إذا شاهدنا شيئا يتحرّك أيّة حركة كانت [علمنا] أنّ له مبدأ لحركته ، أو لم يحصل لنا منه العلم بحقيقة المحرّك بذاته ؛ كذلك الحال فيما نحن فيه ، فإنّ حصول العلم بالنّفس من جهة كونها مبدأ للأفاعيل المذكورة فيما شاهدها فيه ، لا يستلزم حصول العلم بحقيقتها في ذاتها. فهذا ـ مع كونه تنظيرا أو تمثيلا لما نحن فيه ـ يمكن أن يكون بيانا له أيضا بعبارة أخرى ، حيث إنّ مبدئيّة النّفس لتلك الأفاعيل تتضمّن كونها مبدأ للحركة أيضا ، فافهم.
وقوله : «فنقول : إذا كانت الأشياء التي يرى أنّ النفس موجودة لها أجساما ، وإنّما يتمّ وجودها من حيث هي نبات وحيوان لوجود (١) هذا الشيء لها ، فهذا الشيء جزء من قوامها ...» إلى آخر ما ذكره.
هذا مع كونه متضمّنا للإشارة إلى ثبوت النّفس للنبات والحيوان ، وإلى كونها داخلة في قوامها ، غير خارجة عنها ، بيان لكون النفس في النبات والحيوان ، بل في الإنسان أيضا جزءا من قوامها في الخارج ، لا جزءا يكون هو بالنسبة إليها بمنزلة الموضوع أو المادّة ، ويكون به تلك الأشياء بالقوّة ؛ بل جزءا يكون به تلك الأشياء بالفعل ، وبه يتمّ وجودها من حيث هي نبات أو حيوان أو إنسان ، ويكمل به قوامها بمنزلة الصّورة أو الكمال. وكذا هو بيان لكون النفس غير جسم.
وتوضيح ما ذكره : أنّه إذا كانت الأشياء التي يرى أنّ النفس موجودة لها ، كالنّبات والحيوان التي أثبتنا بالبيان السابق وجودها لها ، أجساما كما هو المشاهد. وإنّما يتمّ وجودها من حيث هي نبات وحيوان بوجود هذا الشيء الذي هو مبدأ لتلك الأفاعيل ، وسمّيناه نفسا ، حيث إنّها مع عدم وجود ذلك المبدأ لها لا تكون نباتا ولا حيوانا بالفعل ، ولا يتمّ وجودها ، بل تكون كسائر الأجسام غير النبات والحيوان. فهذا الشيء جزء من
__________________
(١) في المصدر : بوجود هذا الشيء.