أحدهما أنّه أيضا خلاف ما نجده بالوجدان.
والثاني أنّه على تقدير صحّته ، إنّما يصحّ إذا كانت النّفس قديمة أو موجودة قبل البدن بأزمنة كثيرة. حصل لها في تلك الأزمنة تلك العلوم والإدراكات المفصّلة ثمّ نسيتها بسبب من الأسباب ـ كالتعلّق بالبدن مثلا ـ ثمّ زال عنها باستعمال الحواسّ ذلك النسيان وعادت كما كانت أوّلا ، إذ من المعلوم أن ليست لها بعد تعلّقها بالبدن زمان يكون لها فيه حصول تلك العلوم والإدراكات بنفسها ، من غير أن تكون قد استعملت الحواسّ حتّى تكون بعد ذلك قد نسيتها ، ثمّ استعملت الحواسّ فتذكّرت لها. وهذا أيضا باطل ، لأنّا سنقيم الحجّة على كون النّفس الانسانيّة حادثة بحدوث البدن.
وأمّا ثالثا : فلأنّ ما احتجّ به الفرقتان على ما ادّعتاه كما نقله الشيخ عنهما ونقلناه عنه سابقا ، باطل بما أبطله به الشيخ.
قال (١) : «وأمّا من تشكّك فجعل النّفس عالمة بذاتها (٢) فهو فاسد ، فإنّه ليس يجب إذا كان جوهر النّفس خاليا بذاته عن العلم (٣) يستحيل له وجود العلم ، فإنّه فرق بين أن يقال : إنّ جوهر الشيء باعتبار ذاته لا يقتضي العلم ، وبين أن يقال : إنّ جوهره بذلك الاعتبار يقتضي أن لا يعلم. فإنّ لزوم الجهل مع كلّ واحد من القولين يختلف (٤). فإنّا إذا (٥) سلّمنا أنّ النّفس بجوهرها جاهلة ، فإنّما نعني أنّ جوهرها إذا انفرد ولم يتّصل به سبب من خارج لزمه الجهل ، بشرط الانفراد مع شرط الجوهر ، لا بشرط الجوهر وحده ، ولسنا نعني بهذا أنّ جوهرها جوهر لا يعرى عن الجهل. وإن لم نسلّم ، بل قلنا : إنّ ذلك أمر عارض لنا (٦) ، فليس يجب أن يكون مثل هذا العارض واردا على الأمر الطبيعيّ ، فإنّه ليس إذا قلنا : إنّ الخشبة خالية عن صورة السرير (٧) ، وإنّ ذلك الخلوّ ليس لجوهرها ، بل لأمر عارض (٨) له حائز الزوال. كان هذا القول كأنّك تقول : يجب أن يكون قد كانت فيه صورة السرير (٩)
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢٧ ، الفصل السابع من المقالة الخامسة من الفنّ السادس.
(٢) في المصدر : لذاتها ...
(٣) أن يستحيل ...
(٤) مختلف ...
(٥) فإنّا وإن سلّمنا ...
(٦) عارض لها ...
(٧) صورة السريريّة ...
(٨) عارض لها ...
(٩) صورة السريريّة ثمّ انفسخت.