ما ذكرنا أشار في بيان نقل المذهب المختار عنده بقوله : «ويختصّ كلّ قوّة بفعل ، وأنّها إنّما تفعل ما تفعله من الامور المذكورة بتوسّط هذه القوى».
والحاصل أنّه يمكن أن يكون قد أحال وجه ما ذكره على الظّهور ، كما بيّنّا. وهذا الذي هو غاية توجيه ما ذكره وتصحيحه.
وفيه مع ذلك أيضا أنّه على هذا التوجيه ، إنّما يتمّ الدلالة على أنّ الأفاعيل المختلفة الجزئيّة التي للقوى والحواسّ والآلات مدخل فيها ، إنّما هي تصدر عن تلك الذّات الواحدة بتوسّط القوى المتخالفة ، ولا يتمّ الدّلالة على أنّ الأفاعيل الكلّيّة التي هي مختصّة بذات تلك الذّات الواحدة من غير مدخليّة للآلات فيها ، كالتعقّلات والإدراكات الكلّيّة ، هي أيضا إنّما تصدر عن تلك الذّات الواحدة بتوسّط القوى المتخالفة ، إذ لا امتناع في أن تكون تلك الأفعال الكلّيّة تصدر عن تلك الذّات الواحدة بنفسها ، من غير مدخليّة القوى فيها ـ كما هو مذهب بعض من الحكماء ـ إذ ليست تلك [أفعال] آليّة ، حتّى يصار فيها إلى ما يصار إليه في الأفعال الآليّة. ولا يخفى أنّ ذلك أيضا ، أي كون الأفاعيل المختلفة الذّاتيّة للنّفس صادرة عنها بتوسّط القوى المختلفة مطلوبة أيضا ، كما هو ظاهر كلامه في بيان نقل ذلك المذهب المختار عنده ، بل صريح كلامه في بيان كيفيّة إفاضة تلك القوى المختلفة عن تلك الذّات الواحدة وكونها منبع القوى ، على ما نقلنا كلامه في ذلك.
وحينئذ ، ففي تتميم مدّعاه إمّا أن يقال بأنّه لما دلّ الدليل على أنّ الأفاعيل المختلفة الآليّة تصدر عن تلك الذّات الواحدة بتوسّط القوى المختلفة ، فينبغي أن يحكم بذلك في الأفاعيل المختلفة الذّاتية غير الآليّة أيضا ، ليكون الكلّ على نسق واحد. وفيه ، أنّ هذا وجه استحسانيّ لا يفيد الاطمئنان ، بل لا يفيد الإقناع أيضا.
وإمّا أن يقال : كما أنّ الأفاعيل الآليّة أفاعيل مختلفة تصدر عن تلك الذّات والحال أنّها واحدة بسيطة لا اختلاف فيها ولا تعدّد ، ويجب أن يكون هناك ما به الاختلاف ، وهو توسّط القوى المتخالفة على ما تقرّر عندهم من أنّ الواحد بالذّات لا يصدر عنه من جهة واحدة إلّا أمر واحد ، كذلك الأفاعيل الذّاتيّة غير الآليّة أفاعيل مختلفة ، حيث إنّ العقل