وذكروا أيضا أنّ الغاذية في أوّل الأمر تقوى على تحصيل مقدار أكثر ممّا يتحلّل ، لصغر الجثّة وكثرة الأجزاء الرّطبة فيها ، فتعمل المنمية فيما فضل من الغذاء ، ثمّ تعجز عن ذلك لكبر الجثّة وزيادة الحاجة ، لنفاد أكثر الرّطوبات الأصليّة الصالحة لتغذية الحرارة الغريزيّة ، فيصير ما تحصّله مساويا لما يتحلّل ، وحينئذ يقف المنمية. ثمّ يقوى المولّدة حينا ، ثمّ تقف هي أيضا ، أي أنّه عند القرب من تمام النّموّ ، تفرغ النّفس للتّوليد ، فتقوى المولّدة حينا ، وأنّه إذا عجزت الغاذية من إيراد بدل ما يتحلّل ، بحيث لم يفضل شيء تتصرّف فيه المولّدة ، أو انحرف المزاج بسبب الانحطاط المفرط فصارت المادّة غير مستعدّة لذلك ، وقفت المولّدة أيضا ، وتبقى الغاذية عمّالة إلى أن تعجز ، فيحلّ الأجل عند عجزها عن إيراد البدل ، لسرعة تحلّل الأجزاء وانحراف المزاج عن الاعتدال ، وانطفاء الحرارة الغريزيّة لعدم غذائها ووجود ما يضادّها.
ثمّ إنّهم ذكروا أنّه يخدم الغاذية قوى أربع ، هي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدّافعة. وذكروا في وجه الاحتياج إلى تلك القوى الأربع وبيان أفعالها : أنّه لما كان وجود الشّخص ـ بل بقاء النّوع بتوليد المثل أيضا ـ لا يمكن إلّا بتحصيل الغذاء النافع وإصلاحه ودفع فضلاته ، احتيج إلى فعل قوى أربع.
أمّا الاحتياج إلى الجاذبة ، فلأنّ الغذاء لا يمكن أن يصل بنفسه إلى جميع الأعضاء ، لأنّه إن كان ثقيلا لا يصل إلى الأعضاء العالية ، وإن كان خفيفا لا يصل إلى الأعضاء السّافلة ، فاحتيج إلى قوّة تجذب الغذاء إلى الأعضاء.
وأمّا إلى الماسكة ، فلأنّ الغذاء لا بدّ فيه من الاستحالة ، حتّى يصير شبيها بجوهر المغتذى ، والاستحالة حركة ، وكلّ حركة في زمان ، فلا بدّ من زمان في مثله يستحيل الغذاء إلى جوهر المغتذي. ولأنّ الخلط جسم رطب سيّال ، استحال أن يقف بنفسه ، فلا بدّ من قاسر يقسره على الوقوف وذلك القاسر هو الماسكة.
وأمّا إلى الهاضمة ، فلأنّ حالة القوّة المغيّرة إنّما تكون لما هو متقارب الاستعداد للصّورة العضويّة ، وإنّما يمكن ذلك بعد فعل القوّة التي تجعله متقارب الاستعداد ، وتلك