والوجوب ، وهي ممكنة بحسب اعتبار ماهيّتها من حيث هي هي ، مع قطع النظر عن استنادها إلى جاعلها التامّ. وعدم اعتبار الشيء لا يوجب اعتبار عدمه ، فهي ممكنة لا في نفس الأمر ، بل في مرتبة من مراتبها ، ولا محذور فيه ؛ إذ الإمكان مفهوم عدميّ ، وعدم الشيء في نحو من نفس الأمر لا يوجب عدمه فى نفس الأمر. فالمبدعات ضروريّة الوجود في الواقع ، ممكنة الوجود بعض الاعتبارات. ونسبة الإمكان إلى الوجوب نسبة النقص إلى الكمال ، ولهذا (١) يجامعه. وأمّا إمكان الحادث فهو قبل وجود الحادث ، إذ كلّ كائن فإنّه قبل كونه ممكن الوجود لا واجب ولا ممتنع ، فلا بدّ من (٢) مادّة أو موضوع أو متعلّق به يحمل إمكانه. وهذا الإمكان ليس مجرّد ممكنيّة الشيء بل ما به يصير ممكن الوجود ، ولهذا يتفاوت قربا وبعدا ؛ فالقريب استعداد والبعيد قوّة. والقوّة قد يقال لمبدإ التغيّر في آخر من حيث هو آخر ، سواء كان فعلا أو انفعالا ، ويقال لما به يجوز أن يصدر عن الشيء فعل أو انفعال وأن لا يصدر ، وهي القوّة التي تقابل (٣) الفعل ؛ ويقال لما به يكون الشيء غير متأثّر عن مقاوم ، ويقابله الضعف.
ثمّ القوّة المنفعلة (٤) قد تكون مرميّة (٥) نحو القبول دون الحفظ كالماء (٦) ، وفي الشمعة قوّة عليهما جميعا ، وقد تكون (٧) قوّة على واحد أو أمور محدودة ، وفي الهيولى الاولى قوّة الجميع إذ لا صورة لها ، ولكن تقوى بتوسّط شيء على شيء.
وقوّة الفاعل قد تكون (٨) محدودة ، نحو أمر واحد كالنار على الإحراق ؛ وقد تكون (٩) على امور كثيرة ، كقوّة المختار على ما يختار ، وقوّة الباري على الكلّ.
والقوّة الفعليّة المحدودة إذا لاقت القوّة المنفعلة ، وجب الفعل.
والقوّة الفعليّة قد تسمّى قدرة ، وهي إذا كانت مع شعور ومشيئة. وقد يظنّ أنّها ليست قدرة الّا لما في (١٠) شأنه الطرفان : الفعل والترك. وأمّا الفاعل الدائم فالمتكلّمون لا يسمّونه قادرا. والحقّ خلافه ؛ فمن فعل بمشيئة يصدق عليه أنّه لو لم يشأ لم يفعل ، سواء
__________________
(١) في المصدر : ولذا ...
(٢) فلا بدّ له من ...
(٣) الذي يقابل ...
(٤) قوّة المنفعل ...
(٥) ماهيّة ...
(٦) كما في الماء ...
(٧) يكون قوّة ...
(٨) يكون محدودة ...
(٩) قد يكون ...
(١٠) من شأنه.