التقديرين ، فيكون كلامه موافقا لما ذكره في «الشّفاء» في فصل تعديد القوى. وعلى تقدير تسليم أنّه أراد بالصّور المأخوذة من الحسّ الصّور الواقعيّة المأخوذة بالفعل من الحسّ الظّاهر ، فلعلّه اكتفى في تركيب الصّور وتفصيلها بالصّور الواقعة ، إشعارا بأنّ هذا أيضا من جملة أفعال تلك القوّة ، وبأنّه به أيضا يتمّ المقصود ، وهو إثبات المتخيّلة ، ولا ينافي ذلك أن يكون من شأنها أيضا تركيب الصور غير الواقعيّة وتفصيلها.
ثمّ إنّ قوله : «ثمّ إنّا قد نحكم في المحسوسات بمعان لا نحسّها ، إمّا أن لا تكون في طبائعها محسوسة البتّة وإمّا أن تكون محسوسة ، لكنّا لا نحسّها وقت الحكم» ـ إلى آخره ـ.
بيان لإثبات القوّة التي تسمّى وهما ولمغايرتها للنّفس النّاطقة ولسائر القوى الحيوانيّة.
وقوله : «إنّا قد نحكم» ـ إلى آخره ـ أي إنّا قد نحكم حكما جزئيّا في المحسوسات الجزئيّة المخصوصة بمعان جزئيّة مخصوصة لا نحسّها.
وقوله : «إمّا أن تكون في طبائعها محسوسة» ـ إلى آخره ـ أي أنّ تلك المعاني الجزئيّة التي لا نحسّها ، وهي المحكوم بها في المحسوسات المخصوصة الجزئيّة ، قسمان : قسم لا يكون من شأنها أن تكون محسوسة بإحدى الحواسّ الظّاهرة ، وقسم يكون من شأنها أن تكون محسوسة ، لكنّا لا نحسّها وقت الحكم بها في تلك المحسوسات.
وفيه دلالة على أنّ المعاني تطلق على القسمين جميعا ، وكأنّه اصطلاح خاصّ. ويوافقه أيضا ما سيأتي في كلامه من قوله : «وقد جرت العادة بأن يسمّى مدرك الحسّ صورة ، ومدرك الوهم معنى» وكذا ما ذكره في فصل تعديد القوى بهذه العبارة (١) : «والفرق بين إدراك الصّورة ، وإدراك المعنى ، أنّ الصّورة هو الشيء الذي يدركه الحسّ الباطن والحسّ الظّاهر (٢) ، والحسّ الظّاهر يدركه أوّلا ويؤدّيه إلى الحسّ الباطن ، مثل إدراك الشاة صورة (٣) الذئب أعني بشكله (٤) وهيئته ولونه ، فإنّ الحسّ الباطن من الشاة يدركها ، لكن
__________________
(١) الشفاء الطبيعيّات ٢ / ٣٥ ، الفصل الخامس من المقالة الاولى.
(٢) في المصدر : والحسّ الظاهر معا ، لكن الحسّ ...
(٣) لصورة ...
(٤) أعني لشكله.