أخرى.
وأنّه حيث لم يكن التّذكّر والاسترجاع والإعادة مغايرة للحفظ والضبط بالذّات ، بل بالاعتبار ، أي بحسب الحصول في الزمانين الأوّل والثّاني ، فلم يستلزم أن يكون الحفظ لقوّة ، والتذكّر والاسترجاع لقوّة أخرى ، لعدم الاختلاف الذّاتيّ بينهما ، حتّى يستدعي كلّ منهما مبدأ مغايرا لمبدإ الآخر. وهذا كما أنّ الوهم الذي فعله الحكم بالمعاني التي في المحسوسات إذا حكم بذلك في زمان ثمّ حكم بعد زوال المعنى وتذكّر به في زمان آخر ثان ، لا يقتضي أن يكون كلّ من الحكمين لمبدإ متغاير ، وأن يكون القوّة التي بها حكم به أوّلا مغايرة للقوّة التي بها حكم ثانيا ، ولم يقل به أحد أيضا ، بل إنّ هذه القوّة أيضا متّحدة بالذّات ، متغايرة بالاعتبار. وبحسب الزّمان.
وحينئذ يظهر لك اندفاع ما أورده الإمام الرازي في شرح الإشارات على الشّيخ (١) ، حيث ذكر ما حاصله : «أنّ حفظ المعاني مغاير لاسترجاعها بعد زوالها ، فإن وجب أن ينسب كلّ فعل إلى قوّة» كما هو مذهب الشّيخ ، وجب أن يكون القوى أكثر ممّا ذكره.
بل اندفاع ما ذكره المحقّق الطّوسيّ (ره) في ذلك المقام أيضا ، حيث قال (٢) : «والحقّ أنّ الذّكر ملاحظة المحفوظ ، فهو مركّب من إدراك الشيء (٣) ادرك في وقت آخر وفحفظ (....) ، والاسترجاع طلب تلك الحافظة بالفكر ، فإذن الذّاكرة ليست هي قوّة بسيطة ، بل هي مبدأ فعل مركّب من أفعال قوّتين : مدركة وحافظة ، والمسترجعة مبدأ فعل تركّب (٤) من أفعال ثلاث قوى : متصرّفة ومدركة وحافظة».
وبيان اندفاعها ظاهر على المتأمّل فيما ذكرنا.
ثمّ إنّ قول الشيخ ، «وهذه القوّة المركّبة بين الصّورة والصّورة ، وبين المعنى والصّورة ، وبين المعنى والمعنى ، كأنّها القوّة الوهميّة بالموضوع ، لا من حيث يحكم ، بل
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٢ / ٣٤٦.
(٢) شرح الإشارات ٢ / ٣٤٧.
(٣) في المصدر : إدراك لشيء ...
(٤) فعل يتركّب.