عديم الحدس ، فأتقن (٣) أنّ الجانب الذي يلي الزيادة يمكن انتهاؤه إلى غنيّ في أكثر أحواله عن التّعلّم والفكر» (٤) انتهى موضوع الحاجة من كلامه ـ.
وأقول : ما نقلنا من كلامه في «الشفاء» واف ببيان تعديد القوى الإنسانيّة لا يحتاج إلى شرح ، فلذا طويناه على غرّة. وكذا كلامه في «الإشارات» واف ببيانه مع الإشارة إلى بعض مراتب أخر كالحدس والقوّة القدسيّة ، ومع الإشارة إلى أنّ المراتب المرتّبة النظريّة نظير مراتب نور الله تعالى كما ورد في التنزيل ، حيث قال عزوجل : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ـ الآية (١) وإلى تلك المراتب مطابقة لهذه المراتب ، وقد ورد في الخبر «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (٢).
والحاصل أنّ المشكاة شبيهة بالعقل الهيولانيّ ، لكونها مظلمة في ذاتها ، قابلة للنّور على التّساوي لاختلاف السطوح والثقب فيها ، والزّجاجة بالعقل بالملكة ، لأنّها شفّافة في نفسها ، قابلة للنّور أتمّ قبول ، والشجرة الزيتونة بالفكرة التي أشار إلى بيان ماهيّتها ، لكونها مستعدّة لأن تصير قابلة للنّور بذاتها ، لكن بعد حركة كثيرة وتعب ، والزّيت بالحدس الذي أشار إلى بيان ماهيّته ، لكونه أقرب إلى ذلك من الزيتونة ، والذي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار بالقوّة القدسيّة التي أشار إلى بيان ماهيّتها ، لأنّها تكاد تعقل بالفعل ولو لم يكن شيء يخرجها من القوّة إلى الفعل ، ونور على نور بالعقل المستفاد ، لأنّه ينير بذاته من غير احتياج إلى نور يكتسبه والنّار بالعقل الفعّال الذي يقولون به ويقولون إنّ الاتّصال به نوعا من الاتّصال هو المخرج من القوّة إلى الفعل ، لأنّ المصابيح تشتعل منها.
وهذا آخر ما أردنا ايراده من تعديد قوى النّفس الإنسانيّة. فلنختم الباب به ولنرجع إلى بيان المقصود الآخر ، فنقول : الباب الرابع ...
__________________
(٣) في المصدر : فأيقن ...
(٤) والفكرة.
(١) النور / ٣٥.
(٢) بحار الانوار ٢ / ٣٢ ؛ ٦١ / ٩٩ : ٦٩ / ٢٩٣ ، وقد مرّ.