فسّر القوّة بمعنى مبدأ التغيّر ـ أدرج القوّة الفاعلة والقوّة المنفعلة تحته ، وجعل كلّا منهما قسما منه.
وقد قال الحكيم ابن رشد المغربيّ في جامع الفلسفة في تحقيق القوّة الغاذية : «إنّ القوّة يقال بضرب من التشكيك على الملكات والصور حين ليس تفعل ، كما يقال في النّار إنّها محرقة بالقوّة ، إذا لم تحضرها المادّة الملائمة للإحراق ، وعلى القوى المنفعلة ، كما يقال في الخبز إنّه دم بالقوّة ، وفي الدم إنّه لحم بالقوّة وذلك إذا لم يحضر المحرّك.» هذا كلامه.
وهو يدلّ أيضا على اشتراك القوّة بين القوى الفاعلة والمنفعلة اشتراكا معنويّا ، حيث إنّ التشكيك مبنيّ عليه ، وإن كان في كلامه خلطا بين القوّة بمعنى مبدأ التغيّر والقوّة بمعنى الإمكان ، أي الاستعداديّ ، فإنّ الظّاهر منه أنّه أراد بالقوّة مبدأ التغيّر لا مطلقا ، بل من جهة كون تغيّره في حدّ الإمكان. فتدبّر.
وبالجملة فليس يظهر ممّا نقلنا من كلماتهم ولا من غيرها أنّهم جعلوا القوّة بمعنى مبدأ التغيّر موضوعة على حدة بوضع لغويّ واصطلاحيّ لمعنى القوّة الفاعلة ، وبوضع آخر كذلك لمعنى القوّة المنفعلة ، حتّى يكون اشتراكها بينهما اشتراكا لفظيّا ، ولا يصحّ ذكرها في مقام تحديد النّفس ، لكون استعمال اللفظة المشتركة مخلا بالتحديد ، بل الظاهر أنّ القوّة بهذا المعنى مشتركة بين القسمين اشتراكا معنويّا ، كالكمال ، ولا تفاوت بينهما إلّا فيما ذكرنا.
فإن قلت : هب أنّ القوّة بهذا المعنى مشتركة معنى بين القسمين ، لكن لا يخفى أنّها وردت لغة واصطلاحا لمعان متعدّدة ، لا سترة في أنّها وضعت لكلّ منها وضعا على حدة إذ ليس بينها قدر مشترك معنويّ ، فيكون اشتراكها بين هذا المعنى وبين تلك المعاني اشتراكا لفظيّا ، فحينئذ نقول : إذا ذكرت تلك اللفظة في مقام تحديد النّفس ، كان استعمال اللفظة المشتركة اشتراكا لفظيّا في التحديد ، وهو غير جيّد ولا صواب كما ذكره الشيخ.
قلت : هذا مع أنّه ليس ممّا كان نظر الشيخ إليه يمكن دفعه ، بأنّا إذا ذكرنا هذه اللفظة