في مقام التحديد وأردنا بها هذا المعنى الذي ذكرنا ؛ فإن كان المتبادر بقرينة المقام إرادة هذا المعنى خاصّة دون ما عداه من المعاني فلا إشكال ، وإن لم يكن ذلك متبادرا ، فلا سترة في أنّه يمكننا أن نقيّد القوّة بقيد تكون به مختصّة بالقوّة بهذا المعنى ، وينتفي إرادة المعاني الأخر ، ولا يكون ذلك من استعمال اللفظ المشترك في التحديد.
فإن قلت : إنّ المتعارف الشائع في التحديدات عند القوم ، أنّهم يذكرون أوّلا معنى عامّا بمنزلة الجنس يعمّ المحدود وغيره ، ثمّ يقيّدونه بقيد واحد أو أكثر هو بمنزلة الفصل ، به يختصّ ذلك المعنى. بل مجموع المقيّد ، والقيد بالمحدود ، ويخرج غيره. وفيما نحن بصدده ، حيث كانت لفظة القوّة مشتركة لفظا بين تلك المعاني ، ولم يكن هناك معنى عامّ مشترك ، كما هو المفروض ، لا يكون ذلك القيد بمنزلة الفصل ، فكيف الحيلة في ذلك؟ فإنّك إن ذكرت ابتداء لفظة القوّة مطلقة ، ثم قيّدتها بكونها مبدأ التغيّر ، كأن قلت : إنّ النّفس قوّة هي مبدأ التغيّر ، لم يكن الأوّل بمنزلة الجنس ، ولا الثاني بمنزلة الفصل ، كما عرفت. وإن ذكرت لفظة مبدأ التغيّر بدون ذكر لفظة القوّة ، لم يكن ذلك من إطلاق لفظة القوّة على النّفس في شيء كما هو المقصود ، كما أنّك لو ذكرت لفظة القوّة ولم تذكر قيدا يخصّصها بمعنى مبدأ التغيّر ، كان ذلك من استعمال اللفظة المشترك في التحديد.
قلت : الحيلة في ذلك يمكن أن تكون بأن نذكر أوّلا لفظة القوّة ، ثمّ نتبعها بقيد يجعلها مختصّة بالمعنى المراد هاهنا ، على أن يكون ذلك القيد تفسيرا للقوّة ، لا بمنزلة الفصل. كأن نقول : النّفس قوّة ، أي مبدأ تغيّر. ثمّ إنّه لمّا كان قولنا : مبدأ تغيّر ، معنى عامّا يشمل غير النّفس أيضا كالطبيعة ، كما أنّه يشمل مبدأ التغيّر من حيث الفعل والانفعال جميعا ؛ نضعه كالجنس ونقيّده بقيد يكون بمنزلة الفصل ، ويخرج به غير النّفس ، كأن نقول : النّفس قوّة أي مبدأ تغيّر مقارنة للإرادة ، وهذا كما أنّ الكمال لمّا كان شاملا للكمال الأوّل والثاني ، قيّدناه بالكمال الأوّل ، حتّى يخرج الكمال الثاني.
ثمّ إنّه لمّا كان المقصود هنا تحديد النّفس بالقياس إلى البدن ، قيّدناه بكونه كمالا أوّلا لجسم طبيعيّ آليّ يمكن أن يصدر عنه ما يصدر عن الأحياء ، كما في التحديد الذي ذكره