ما نحن بصدده.
فإنّ المقصود وجود كمال مفارق الذات ، أي الّذي ليس بصورة ، مع هذا يكون كونه كمالا باعتبار أنّه فصل للنوع وكمال له ، كالنفس الإنسانيّة على ما عرفت من بيان حالها ، وظاهر أنّ الملك والرّبان ، كما أنّهما ليسا بصورتين للمدينة والسفينة ، ليسا بفصلين لهما أيضا. فالأحسن في بيان الفرق وتفريع الشمول عليه أن يقول : إنّ الصورة المنطبعة كمال ، وليس كل كمال صورة كذلك ، لأنّه قد يكون الكمال للنوع فصلا للنوع ، فصلا ليس صورة في المادّة وللمادّة ، كالنفس المفارقة الإنسانيّة على ما عرفت ؛ ثمّ يفرّع الشمول الذي ادّعاه كما ذكرنا ، لكنّه أعلم.
وأمّا بيان الثاني : فلأنّ الاصطلاح قد استقرّ على أن يكون الشيء بالقياس إلى المادّة صورة ، وبالقياس إلى الجملة غاية وكمالا ؛ أي بالقياس إلى جملة المادّة والصورة من جهة ما هما صورة ومادّة ، بل بالقياس إلى جملتهما من جهة ما هما جنس وفصل ، أي النوع ، غاية باعتبار انتهاء الحركة إليه ، وكمالا باعتبار تماميّة النوع وكماله به ، وبالقياس إلى التحريك ، أي بالقياس إلى تحريكه للمادّة حتّى تصير شيئا بالفعل مبدأ فاعليّا وقوّة محرّكة. وإذا كان الأمر كذلك ، فالصورة من حيث إنّها صورة ، وبالنظر إلى نفس مفهومها الاصطلاحيّ ، تقتضي نسبة إلى شيء بعيد مباين في الوجود من ذات الجوهر الحاصل من الصّورة المتقوّم بها ، وإلى شيء يكون الجوهر الحاصل منها هو ما هو بالقوّة ، وإلى شيء لا ينسب الأفاعيل إليه ؛ وذلك الشيء الموصوف بهذه الأوصاف الثلاثة هو المادّة ، لأنّها صورة باعتبار وجودها للمادّة ؛ والكمال من حيث هو كمال ، وبالنّظر إلى نفس مفهومه الاصطلاحيّ ، يقتضي نسبة إلى الشيء التامّ الذي يصدر عنه الأفاعيل. وبالجملة نسبة إلى الشيء الذي هو بخلاف الشيء الأوّل ، لأنّه كمال باعتباره للنّوع.
فبيّن من هذا : أنّا إذا قلنا في تعريف النّفس : إنّها كمال ، كان أدلّ بمفهومه على معنى النفس الذي هو المقصود هنا ، إذ ظاهر أنّ المقصود من معناها أنّها ممّا يكمل ويتمّ الشيء الذي يصدر عنه الأفاعيل المقصودة منها ، فبهذا الاعتبار أيضا يكون إطلاق الكمال على