وحاصل ما ذكره فيه يرجع إلى ما في «الشفاء» ، إلّا أنّه اقتصر في «الشفاء» على فرض حالة للإنسان يكون هو في مثل تلك الحالة غافلا البتّة عن كلّ شيء غيره ، أي غير ذاته ونفسه ، ولا يكون غافلا عن ذاته ، بل يكون مستشعرا له البتّة ، كما عرفت بيانه.
وأمّا هو في «الإشارات» ، فقد بيّن أوّلا أنّ الإنسان إذا كانت له فطنة صحيحة ، فهو لا يغفل عن ذاته وإثبات إنّيّة ذاته في شيء من الحالات ، وإن كان يغفل عما سوى ذاته.
ثمّ ازداد إيضاحا ، وترقّى عن ذلك ، ففرض تلك الحالة التي يغفل الإنسان فيها البتّة عمّا سوى ذاته ، ولا يغفل عن ذاته وثبوت إنيّة ذاته البتّة. وتحريره : أنّه من المعلوم الضروريّ الوجدانيّ الذي يجد الإنسان من نفسه إذا كان مستبصرا وكانت له فطنة صحيحة ، أنّه لا يغفل عن وجود ذاته ، ولا يعزب ذاته ونفسه عن ذاته في شيء من الحالات ، سواء كان صحيحا أو على بعض أحوال آخر غير الصحّة. وسواء غير مختلّ الإدراك ، أو مختلّ الإدراك ، يختلّ إدراكه إمّا بالحواسّ الظاهرة ، كالنائم ؛ وإمّا بالحواسّ الباطنة والظاهرة ، كالسكران ؛ فإنّه في جميع تلك الأحوال يدرك ذاته البتّة ، ولو فرضنا غفلته عن ذاته في شيء من تلك الحالات ، فإنّما هي غفلة عن إدراكه لذاته ، لا عن ذاته ، أي أنّه يعلم ذاته البتّة ، وإن عرض له غفلة عن العلم بعلمه ، بدليل أنّه إذا زالت تلك الحالة كالسكر عنه ، يتذكّر أنّه هو بعينه كان يفعل كذا ، أو يقول كذا مثلا في تلك الحالة. ولا ضير في الغفلة عن الإدراك ، فإنّ العلم بالعلم غير أصل العلم ، وإن كانت المغايرة بالاعتبار.
وكذلك من المعلوم بالوجدان أنّه في تلك الحالات التي لا يعزب فيها ذاته ونفسه عن ذاته. قد يعزب عنه غير ذاته ، كبدنه وقواه وأعضائه والأشياء الخارجة ، فذاته غير تلك ، لأنّ المشعور به غير المغفول عنه. بل نقول : إنّه يمكن فرض حالة لا يعزب فيها ذاته ونفسه عن ذاته البتّة ، ويعزب تلك الأشياء البتّة عنه. كما لو توهّم أنّه خلق أوّل مرّة ـ إلى آخره ـ فإنّه من المعلوم بالوجدان أنّه في تلك الحالة المفروضة ـ كما عرفت بيانها ـ يجد ذاته بحيث غفلت عن كلّ شيء إلّا عن ثبوت إنّيّتها ووجود نفس له.
فهذا حاصل كلامه في «الإشارات» ، ويعلم منه وكذا مما ذكره في «الشفاء» أنّ