كلّ شيء كأعضائه الظاهرة والباطنة ، وككونه جسما ذا أبعاد ، وكحواسّه وقواه ومزاجه وأعراضه ، وكالأشياء الخارجة عنه جميعا ، إلّا عن ثبوت ذاته ونفسه فقط التي يشير إليها بقوله : «أنا».
وبعبارة اخرى ، يمكن أن يفرض أنّ إنسانا خلق دفعة واحدة ، وخلق متباين الأطراف ولم يبصر أطرافه ، واتّفق أن لم يمسها ولا تماسّت ، ولم يسمع صوتا ولا استعمل حسّا من الحواسّ الظاهرة والباطنة ، بحيث جهل وجود جميع أعضائه وغيرها ، وعلم وجود إنّيته شيئا واحدا مع جهله جميع ذلك.
فإذن يحصل له إدراك هو أوضح الإدراكات وأجلاها ، وعلم ضروريّ غير مكتسب من حدّ أو رسم أو حجّة أو برهان بوجود نفسه لنفسه ، وكونها مغايرة لجميع ما ذكر ، حيث إنّ الموجود غير المفقود ، والمعلوم غير ما ليس بمعلوم ، والمشهور به غير المغفول عنه ، والمثبت غير ما ليس بمثبت.
وهذا الذي ذكرناه إنّما هو تحرير كلامه في ذلك في الشفاء ، وسنزيده توضيحا.
وأمّا هو في الإشارات فقد ذكر هذه الإشارة وهذا التنبيه هكذا : (١)
«تنبيه :
ارجع إلى نفسك وتأمّل هل إذا كنت صحيحا؟ بل وعلى بعض أحوالك غيرها ، بحيث تفطّن للشيء فطنة صحيحة ، هل تغفل عن وجود ذاتك ولا تثبت نفسك؟ ما عندي أنّ هذا يكون للمستبصر ، حتّى أنّ النائم في نومه ، والسكران في سكره ، لا يعزب ذاته عن ذاته ، وإن لم يثبت تمثّله لذاته في ذكره ، ولو توهّمت أنّ ذاتك خلقت (٢) أوّل خلقتها (٣) صحيحة العقل والهيئة ، وفرض (٤) أنّها على جملة من الوضع والهيئة لا تبصر أجزاؤها ولا تتلامس أعضاؤها ، بل هي منفرجة ومعلّقة لحظة ما في هواء طلق ، وجدتها قد غفلت عن كلّ شيء الّا عن ثبوت إنّيّتها».
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٢٩٢ ، أوفست دفتر نشر الكتاب على طبعة المطبعة الحيدريّة ، ١٤٠٣ ه.
(٢) في المصدر : ذاتك قد خلقت ...
(٣) خلقها ...
(٤) وقد فرض.