إثبات اختصاص الأسباب في التكليف بها بأن ينصرف الأمر بالمسبّبات إلى الأمر بأسبابها حسب ما نسبه ثانيا إلى القيل ، فإنّ ذلك دعوى اخرى مبنيّة على امتناع التكليف بالمسبّبات لا على مجرّد الاستبعاد حسب ما اخذ في الوجه الأوّل.
ويمكن توجيهه بجعل ذلك من تتمّة دفع القول بعدم تعلّق الأمر بالمسبّبات ، فيكون مقصوده دفع ما قد يتوهّم من جريان الاستبعاد في تعلّق التكليف بالمسبّبات مطلقا فقال : إنّه لا استبعاد في تعلّق الأمر بها منضمّا إلى أسبابها ؛ غاية الأمر تسليم الاستبعاد في حال الانفراد كما ادّعاه القائل الأوّل ، فمقصوده من ذلك أنّه كما لم يقم دليل قطعي على عدم تعلّق التكليف بالمسبّبات كذا لم يقم عليه دليل ظنّي أيضا. وفيه : أنّه لا يرتبط بذلك.
قوله : (ومن ثمّ حكى بعض الاصوليّين ... الخ).
لوضوح أن دفع الاستبعاد من تعلّق الأمر بالمسبّبات والأسباب معا لا ربط له بالقول بتعلّق الأمر بالمسبّبات وحدها.
وقد يتكلّف في تصحيحه بجعله إشارة إلى ما ذكر أوّلا من دفع الدليل القطعي على عدم وجوب المسبّبات ، فالمراد أنّه لمّا لم يقم دليل قطعي على عدم صرف الأمر بالمسبّبات إلى الأسباب حكى بعض الاصوليّين القول باختصاص الوجوب بها من دون أسبابها ، وهو كما ترى.
ويمكن توجيه العبارة بإرجاعها إلى دفع ما ادّعى أوّلا من الاستبعاد بأن يقال : إنّ مقصوده من ضمّ الأسباب إلى المسبّبات ضمّها إليها في التكليف بالمسبّبات من غير أن يتعلّق التكليف بالأسباب ، بيان ذلك أنّ هناك وجوها أربعة :
أحدها : أن يكون الأسباب هي المتعلّقة للتكليف من غير أن يكون المسبّبات مكلّفا بها.
ثانيها : أن يتعلّق التكليف بالمسبّبات وحدها من غير أن يكون الأسباب ملحوظة معها في التكليف بها.
ثالثها : أن يكون المسبّبات متعلّقة للتكليف ملحوظة مع أسبابها من غير أن يكون الأسباب مكلّفا بها.