رابعها : أن يتعلّق التكليف بالأسباب والمسبّبات جميعا ، وهذا هو مقصود المستدلّ بالاستبعاد المذكور ولا يتمّ له ذلك ، فإنّ الّذي يقتضيه الاستبعاد المفروض عدم تعلّق التكليف بالمسبّبات على الوجه الثاني ، فإنّه لمّا كانت القدرة غير حاصلة مع المسبّبات وحدها استبعد تعلّق الأمر بها بملاحظتها على الوجه المذكور ، وذلك لا يستدعي تعلّق الأمر بأسبابها أيضا ، لإمكان وقوع الأمر بها على الوجه الثالث بأن يكون المسبّبات مأمورا بها بملاحظة اقترانها مع أسبابها من غير أن يكون الأسباب مأمورا بها أصلا ، فإنّ تعلّق القدرة بها من جهة أسبابها لا يقتضي أزيد من تعلّق التكليف بها بملاحظة اقترانها معها. هذا.
وقد يستدلّ على تعلّق التكاليف بالأسباب دون مسبّباتها بوجوه اخر :
منها : أنّ كلّ ما يتعلّق به التكاليف من أفعال المكلّفين ولا شيء من المسبّبات بفعل للمكلّف ، وإنّما هي امور تابعة للفعل الصادر عنه من الحركات الإراديّة الحاصلة بتحريك العضلات حاصلة عند حصولها من غير أن يباشر النفس إيجادها فلا يكون شيء متعلّقا للتكليف.
ومنها : أنّ المكلّف به بالتكاليف المتعلّقة بالأفعال ليس إلّا إيجادها في الخارج لا وجودها في أنفسها ، إذ ليس الوجود من حيث هو قابلا لتعلّق التكليف به ، وحينئذ فنقول : إنّ إيجاد المكلّف للمسبّب إمّا أن يكون عين إيجاده للسبب ـ بأن ينتسب الإيجاد إلى السبب انتسابا ذاتيّا وإلى المسبّب انتسابا عرضيّا ـ أم إيجادا آخر غير إيجاد السبب ، لا سبيل إلى الثاني ، ضرورة أنّه ليس هناك إلّا تأثير اختياريّ واحد صادر عن المكلّف كما يشهد به الوجدان فتعيّن الأوّل ، فيكون الأمر بالمسبّب عين الأمر بسببه ، لاتّحاد السبب والمسبّب في الإيجاد الّذي هو متعلّق الأمر ، وحيث إنّ الإيجاد يتعلّق بالسبب أوّلا وبالذات وبالمسبّب ثانيا وبالعرض يكون متعلّق التكليف في الحقيقة هو السبب.
ومنها : أنّه لا شكّ في انقطاع التكليف بفعل المكلّف به ، وإنّما وقع الخلاف في انقطاعه حال حصول الفعل أو في الآن الّذي بعده ، وأمّا قبل حصول ما كلّف به