يثبت كون الصيغة حقيقة في طلب إيجاد الطبيعة المطلقة القابلة للتقييد بكلّ من التكرار والمرّة وغيرهما ، فلا دلالة فيها على خصوص شيء منهما لوضوح خروج كلّ من تلك الخصوصيّات عن الطبيعة اللابشرط من غير حاجة إلى إثبات ذلك بالدليل.
ولو قيل : بأنّ المقصود بالمقدّمة المذكورة بيان كون الطبيعة المتبادرة من الصيغة هي الطبيعة المطلقة دون المقيّدة بالتكرار أو المرّة بناءا على كون المقدّمة الأولى لبيان كون المتبادر من الصيغة هو طلب إيجاد الطبيعة في الجملة. فبعد ملاحظة المقدّمتين يتمّ المدّعى.
ففيه : أنّ ذلك ممّا لا يمكن إثباته بالبيان المذكور ، إذ خروج كلّ من الأمرين عن الطبيعة المطلقة لا يقضى بخروجه عن مدلول الصيغة الّذي هو طلب الطبيعة في الجملة الحاصلة بكلّ من الوجوه الثلاثة.
ويمكن أن يقال : إنّه وإن كان خروج المرّة والتكرار عن الطبيعة المطلقة أمرا ظاهرا إلّا أنّه لابدّ من ملاحظته في المقام ، لتوقّف الاحتجاج عليه ؛ ووضوح المقدّمة لا يقتضي عدم اعتبارها في الاحتجاج.
نعم لم يكتف المصنّف رحمهالله بمجرّد ظهورها ، بل أراد بيانها ، ليتّضح الحال في الاستدلال ، فلمّا أثبت أوّلا بكون المتبادر من الأمر بعد الرجوع إلى العرف هو طلب حقيقة الفعل كون الصيغة حقيقة في طلب نفس الحقيقة بيّن بذلك كون خصوص كلّ من المرّة والتكرار خارجا عن حقيقة الفعل غير مأخوذ فيها كالزمان والمكان ، ليندفع به احتمال كون أحدهما مأخوذا في حقيقة الفعل فيكون الدالّ على الحقيقة دالّا عليه ؛ فالغرض من ذلك إيضاح الحال ليكون آكد في إثبات المطلوب.
ويمكن أن يقرّر الاحتجاج بوجهين آخرين يتّضح الحاجة فيهما إلى بيان المقدّمتين المذكورتين :
أحدهما : أنّ المقصود من كون المتبادر من الأمر طلب حقيقة الفعل ، هو طلب حقيقة الفعل بمعناه الحدثي ـ أعني المصدري ـ كما سنشير إليه في التقرير الثاني ؛