ثانيها : ما أشار إليه المصنّف بما قرّره في المقام ، وتقريره على مقتضى ظاهر كلامه : أنّه لمّا كان وجوب المقدّمة لأجل التوصّل إلى ذيها ومن حيث إيصالها إليه من غير أن تكون واجبة لنفسها وفي حدّ ذاتها لم يصحّ القول بوجوبها إلّا في حال إمكان التوصّل بها إليه ، ليعقل معه اعتبار الجهة المذكورة.
وحينئذ فنقول : إنّه لا ريب أنّه مع وجود الصارف عن المأمور به وعدم الداعي إليه لا يمكن التوصّل بالمقدّمة المفروضة إلى أداء الواجب ، فلا وجه حينئذ للقول بوجوب مقدّمته ، فلا يكون حينئذ ترك الضدّ واجبا.
فإن اريد من الكبرى المذكورة في الاستدلال من : أنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، وجوب المقدّمة مطلقا ولو مع عدم إمكان التوصّل بها إلى الواجب فهي ممنوعة ، والسند ظاهر ممّا قرّر.
وإن اريد بها وجوبها مع إمكان إيصالها ومن حيث كونها موصلة إلى ذيها فمسلّم ، ولا ينتج إلّا وجوب ترك الضدّ مع إمكان التوصّل به إلى الواجب ، لا وجوبه مطلقا ، وقد عرفت أنّه مع وجود الصارف وعدم الداعي لا يمكن التوصّل بها إليه.
وأنت خبير بوهن ما ذكره ، إذ مجرّد وجود الصارف لا يقضي باستحالة التوصّل إليه ، لكون وجوده بقدرة المكلّف واختياره ، ألا ترى أنّ سائر الواجبات الغيريّة الثابت وجوبها بالنصّ إنّما تكون واجبة من أجل التوصّل بها إلى غيرها على ما هو مفاد الوجوب الغيري؟! ومع ذلك لا قائل بسقوط وجوبها مع وجود الصارف وعدم الداعي إلى إيجاد ذلك الشيء ، كيف! ولو صحّ ما ذكره من الخروج عن قدرة المكلّف لم يكن عاصيا بترك نفس الواجب أيضا ، لسقوط وجوبه حينئذ بانتفاء القدرة عليه ، وهو واضح الفساد ، بل لزم (١) أن لا يعصي أحد بترك شيء من الواجبات ، ضرورة أنّها إنّما تترك مع وجود الصارف عنها وعدم الداعي إليها ، والمفروض حينئذ امتناع حصولها ؛ فلا يتعلّق التكليف بها.
__________________
(١) في (ف) : بل يلزم.