وبالجملة : أنّ هناك فرقا بين التوصّل إلى الواجب بشرط وجود الصارف وعدم الداعي إليه وفي حال وجوده ، والممتنع إنّما هو الأوّل دون الثاني ، والمفروض في المقام إنّما هو الثاني دون الأوّل ؛ وذلك ظاهر.
ثالثها : ما أشار إليه المصنّف ب قوله : (وأيضا فحجّة القول بوجوب المقدّمة ... الخ).
تقريره أنّ ما دلّ على وجوب المقدّمة إنّما يفيد وجوبها من حيث كونها موصلة إلى الواجب ، لا وجوبها في حدّ ذاتها ، كما عرفت ، وذلك قاض بتوقّف وجوبها على إرادة الواجب ، لعدم كون المقدّمة موصلة مع عدمها ، فيكون إيجادها حينئذ لغوا ، والمفروض عدم إرادة الواجب حينئذ ، فلا يكون ترك الضدّ واجبا من جهة كونه مقدّمة للواجب على نحو ما ذكرناه في الوجه الأوّل ، وضعفه أيضا ظاهر ، لوضوح انتفاء المانع من وجوب المقدّمة من حيث إيصالها إلى الواجب ولو لم يكن مريدا لفعل الواجب ، إذ عدم إرادة الواجب لا يقضي بسقوطه ؛ فلا يسقط وجوب مقدّمته ، فيجب عليه في حال عدم إرادة الواجب أن يأتي به ، ويأتي بمقدّمته من حيث إيصالها إليه.
نعم ، لو لم يتمكّن من إرادة الفعل ومن إيجاده في الخارج صحّ ما ذكر من عدم وجوب مقدّمته ، إلّا أنّه لا يجب عليه الإتيان بذي المقدّمة أيضا ، وهو خارج عن محلّ الكلام.
وما دلّ على وجوب المقدّمة يعمّ ما إذا كان المكلّف مريدا للإتيان بذي المقدّمة أو غير مريد له ، فدعوى اختصاصه بالصورة الاولى فاسدة جدّا ، كما لا يخفى على من لاحظها.
رابعها : ما مرّت الإشارة إليه في المسألة المتقدّمة من : أنّ ما دلّ على وجوب المقدّمة إنّما يفيد وجوب المقدّمة الموصلة إلى ذيها دون غيرها ، بل مفاد المقدّمة عند التأمّل هو خصوص الموصلة إليه دون غيرها ، حسبما مرّ بيانه ، وحينئذ فالمقدّمة المجامعة للصارف وعدم الداعي ليست موصلة فليست بواجبة.