وهنا وجه ثالث ، وهو : التفصيل بين ما إذا سقط بعض التكليف بأداء البعض ، وما يكون سقوطه متوقّفا على إتمام الفعل.
فعلى الأوّل لا يجوز العدول ، إذ القدر الثابت من التخيير بين تمام الفعلين دون تمام أحدهما والبعض من الآخر فتعيّن عليه إتمام الأوّل.
وعلى الثاني يجوز العدول ، لبقاء الأمر على حاله قبل إتمام الأوّل.
هذا كلّه إذا لم يكن هناك مانع من العدول ، كما إذا كان إبطال الأوّل محرّما ، كما في التخيير بين الظهر والجمعة فإنّه بعد شروعه في أحدهما يحرم عليه إبطاله ليتلبس بالآخر فيتعيّن عليه الإكمال.
نعم ، لو ارتكب الحرام وأبطل العمل كان بالخيار بينهما ، ومن ذلك في وجه تخيير المولى بين دفع العبيد الجاني إلى المجنيّ عليه وافتدائه ببذل أرش الجناية ، فإذا بنى على الافتداء ودفع بعض الأرش فأراد الرجوع إليه ودفع العبد فإنّه ينافي تملّك المجنيّ عليه للمدفوع إليه ، وثبوت الخيار له في الردّ خلاف الأصل.
خامسها : أنّه إذا وقع التخيير في الواجب بين الأقلّ والأكثر في أصل الشرع ـ كما لو ورد التخيير في الركعتين الأخيرتين بين أداء التسبيحات الأربع مرّة أو ثلاثا ، أو ورد التخيير في بعض منزوحات البئر بين الأربعين والخمسين ، أو ثبت التخيير بحكم العقل ، كما إذا تعلّق الأمر بطبيعة وأمكن أداؤها في ضمن الأقلّ والأكثر كما إذا وجب عليه التصدّق الصادق بتصدّق درهم أو درهمين أو ثلاثة مثلا ، أو وجب عليه المسح المتحقّق بمسح إصبع أو إصبيعن أو ثلاثة وهكذا ـ فهل يتّصف الزائد بالوجوب ليكون التخيير على حقيقته ، أو لا؟ فيه أقوال :
أحدها : اتّصاف الجميع بالوجوب أخذا بمقتضى ظاهر اللفظ ، إذ كلّ من الناقص والزائد قسم من الواجب.
ثانيها : اتّصاف الزائد بالاستحباب مطلقا نظرا إلى جواز تركه لا إلى بدل.
ثالثها : التفصيل بين ما إذا كان حصول المشتمل على الزيادة دفعة وما إذا كان تدريجيّا بأن حصل الناقص أوّلا ثمّ حصل القدر الزائد ، فإن كان حصول الفعل