في شأنه ، فجاز له الترك لا إلى بدل ، وهو لا يجامع الوجوب ، وهذا بخلاف ما لو كان على صفات المكلّفين في الآخر ، لعدم جواز تركه إذن في شيء من أجزاء الوقت مطلقا ، بل إنّما يجوز ذلك إلى بدل ، وهو لا ينافي الوجوب ، ومنه يعلم أنّ اعتباره البقاء على صفات المكلّفين في الآخر إنّما هو في غير من ظنّ الفوات قبل بلوغ الآخر. وأمّا بالنسبة إليه فلا ريب في وجوب الفعل عنده عند ذلك. هذا ، وقد حكى عنه قولان آخران :
أحدهما : ما حكاه عنه أبو الحسين البصري ، وقال : إنّه أشبه من الحكاية الاولى ، وهو : أنّه إن أدرك المصلّي آخر الوقت وهو على صفة المكلّفين كان ما فعله مسقطا للفرض، وهو بعينه القول المتقدّم ، ويوافق ما حكاه الشيخ أوّلا.
ثانيهما : ما حكاه عنه أبو بكر الرازي من أنّ الصلاة يتعيّن وجوبها بأحد الشيئين : إمّا بأن يفعل ، أو بأن يتضيّق وقتها ويشارك هذان الوجهان ما مرّ من الوجه المتقدّم في كون إدراك آخر الوقت معتبرا في الجملة في وجوب الفعل وإن اختلف الحال فيه على حسب اختلافها.
قوله : (ففي الحقيقة يكون راجعا إلى الواجب المخيّر).
كلامه هذا ـ كما سنشير إليه بعد ذلك ـ يومئ إلى كون الواجب الموسّع من قبيل الواجب المخيّر ، غاية الأمر أنّ التخيير هناك بين الأفعال المختلفة بالحقيقة وهنا بين الأفعال المتّفقة في الحقيقة المختلفة بحسب الزمان ، كما سيصرّح به ، فيكون المكلّف مخيّرا بين الإتيان بالفعل في أوّل الوقت ووسطه وآخره ، ويكون الأمر متعلّقا بكلّ من تلك الأفعال أصالة على الوجه المذكور ، ففي أيّ جزء أتى بالفعل فقد أتى بما يجب عليه بالأصالة ، كما أنّه إذا أتى بأحد الأفعال الواجبة تخييرا كان آتيا بواجب أصلي ، نظرا إلى تعلّق الأمر بخصوص كلّ منها على وجه التخيير ، فيكون ذلك هو المراد بقوله : «ففي أيّ جزء اتّفق إيقاعه فيه كان واجبا بالأصالة» يعني أنّه لمّا تعلّق الأمر به بحسب أجزاء الوقت على سبيل التخيير كان الإتيان به في أيّ جزء كان من أجزائه إتيانا لما يجب عليه أصالة ، نظرا إلى تعلّق الأمر به كذلك على نحو الواجب المخيّر.