وفيه : أنّه إن اريد بذلك قياس الأمر على غيره من المشتقّات فوهنه واضح ، وإن اريد به الاستناد إلى الاستقراء ، فإفادته الظنّ في مثل المقام غير ظاهر حتّى يصحّ الاستناد إليه.
ثمّ إنّ أقصى ما يفيده عدم الدلالة على التكرار وأمّا إفادته المرّة فلا ، بل يمكن القول بدلالته على نفي المرّة أيضا ، فإنّه كما لا يدلّ سائر المشتقّات على التكرار فلا دلالة فيها على المرّة أيضا ، وإنّما يفيد مطلق الطبيعة ، فينبغي أن يكون الأمر أيضا كذلك ؛ فهو في الحقيقة من شواهد القول بالطبيعة.
ومنها : أنّ صيغة الأمر إنشاء كسائر الإنشاءات والإيقاعات ، وكما أنّ الحاصل من قولك : «بعت» و «أجرت» و «هي طالق» ليس إلّا بيع واحد وإجارة واحدة وطلاق واحد ، فكذا الحاصل من قولك : «اضرب» ليس إلّا طلب ضرب واحد.
وضعفه ظاهر للخلط في الاحتجاج بين المنشئات بالإنشاءات والأمر المتعلّق للإنشاء ، فإنّ البيع والإجارة والطلاق هي الامور المنشئات بالإنشاءات المذكورة وهو أمر واحد وكذا المنشأ بقوله : «اضرب» طلب الضرب وليس إلّا طلب واحد ، وإنّما الكلام في المطلوب ومتعلّق الطلب المفروض ولا ربط له باتّحاد الأمر الحاصل بالإنشاء.
ومنشأ الخلط في المقام كون المنشأ في الإنشاءات المذكورة هو نفس المبدأ ، فزعم كون المنشأ في الأمر أيضا ذلك فلاحظ الوحدة فيه ، وليس كذلك لوضوح كون المنشأ هنا نفس الطلب دون المبدأ ، وسيأتي توضيح القول في ذلك إن شاء الله.
ومنها : أنّه لو أمر الرجل وكيله بطلاق زوجته لم يكن له أن يطلّقها إلّا مرّة واحدة بلا خلاف بين الفقهاء ، ولو كان للتكرار لجازت الزيادة عليها.
ويدفعه : أنّ غاية ما يلزم من ذلك دفع القول بالتكرار دون القول بالطبيعة وإنّما لم يجز الزيادة على المرّة من جهة أنّها المتيقّن في المقام وما زاد عليه غير معلوم فلا يجوز الإقدام عليه من دون دلالة الكلام عليه ، وفيه تأمّل يظهر من ملاحظة ما قدّمناه في بيان ثمرة الأقوال.