وبالجملة : لا يعقل تأثيم المبهم دون التأثيم به ، فهو الفارق بين الأمرين. والسرّ فيه : أنّ أحد الفعلين مفهوم متعيّن في الذهن فيمكن اشتغال الذمّة به ، فإنّ الذمّة بمنزلة الذهن يتعيّن فيه الكلّي فيصحّ اشتغالها به. وأمّا إحدى الذمّتين فلا تعيّن لها في الخارج ، فلا يعقل تعلّق الاشتغال بها في الخارج مع إبهامها فيه. كما أنّ حصول أحد التصوّرين في النفس من دون تعيّنه بحسب الواقع ممّا يستحيل عقلا دون تصوّر مفهوم أحد الشيئين من غير تعيين ذلك الشيء ، وهو ظاهر.
واورد عليه : بأنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو كان مذهبهم تأثيم واحد مبهم منهم عند الترك. أمّا لو قالوا بتأثيم الجميع ـ كما هو المذهب ـ فلا يرد ذلك ، ولا منافاة بين الوجوب على البعض وتأثيم الكلّ عند ترك الكلّ.
وفيه : أنّه مع البناء على تعلّق الوجوب بواحد مبهم لا وجه للحكم بتأثيم الجميع ، فإنّه إنّما يصحّ القول به لو قيل بقضاء ذلك بوجوب الإقدام في الظاهر على الجميع ، ولا دليل عليه ، بل قضيّة الأصل حينئذ دفع كلّ واحد منهم الوجوب عن نفسه بالأصل ، كالجنابة الدائرة بين شخصين ، بخلاف ما إذا اشتغلت الذمّة بأحد الفعلين على وجه الإبهام، لوجوبهما عليه إذا من جهة تحصيل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال ، فذلك فرق آخر بين الأمرين.
ولو قيل في المقام بوجوب الإقدام حينئذ على الجميع من جهة النصّ كان ذلك قولا بوجوبه على الجميع هذا خلف.
ثمّ إنّه مع الغضّ عن ذلك وتسليم قضاء ذلك بوجوب الإقدام على الجميع في الظاهر فقضيّة الترك من الكلّ تأثيم واحد غير معيّن منهم بترك نفس الواجب ، وتأثيم الباقين من جهة التجرّي ، ولا يعقل في الفرض المذكور تأثيم الجميع على ترك نفس الفعل مع عدم تعلّق الوجوب بهم كذلك ، فالمفسدة على حالها.
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّه إن أراد المستدلّ بتعلّق الوجوب على أحدهم على سبيل الإبهام من دون أن يتعلّق بخصوص بعضهم أصلا فقد عرفت أنّه غير معقول ، إذ الوجوب أمر خارجيّ لابدّ له من متعلّق متعيّن في الخارج ،