غير أنّ الوضع الحاصل فيه لا يفيد دلالته على معناه المجازي ، وإنّما ثمرته جواز استعمال اللفظ فيه ليخرج به عن حدّ الغلط ، وإنّما تحصل دلالته عليه بواسطة القرينة ، فتكون القرينة مفيدة لدلالته على المعنى المجازي. كما أنّ الوضع مفيد لدلالة اللفظ على المعنى الحقيقي ، ولمّا كان الملحوظ في أنظار أهل البيان حال الدلالة واختلافها في الوضوح والخفاء عدّوا دلالة المجاز من الالتزام ، إذ ليست دلالته بسبب الوضع ، والمناسب لأنظار أهل الاصول إدراجه في المطابقة ، لبعد إدراجه عندهم في المنطوق الغير الصريح مع استعمال اللفظ فيه وصراحته في الدلالة عليه ، بل قد يكون أصرح من دلالة الحقيقة ، فلا بعد إذا في إدراجه في المطابقة ، نظرا إلى حصول الوضع الترخيصي فيه ، لصدق كون اللفظ دالّا بعد تعلّق الوضع المذكور به على تمام ما وضع له ، فيعمّ الوضع المأخوذ في حدّ المطابقة لما يشمل ذلك ويندرج المجاز في المنطوق الصريح.
هذا بالنسبة إلى المجاز نفسه ، وأمّا القرينة الدالّة على كون المراد باللفظ هو معناه المجازي ففي الأغلب إنّما تكون بطريق الالتزام ، كما أشرنا إليه ، ويندرج في دلالة الاقتضاء ، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله.
ثمّ إنّ جماعة قسّموا الدلالة في المنطوق الغير الصريح إلى : دلالة الاقتضاء ، ودلالة التنبيه والإيماء ، ودلالة الإشارة ، وذلك لأنّه إمّا أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلّم بحسب مفاهيم العرف ، أو لا.
وعلى الأوّل فإمّا أن يتوقّف عليه صدق الكلام أو صحّته عقلا أو شرعا ، وهو دلالة الاقتضاء ، كما في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ» (١) فإنّ صدق الكلام يتوقّف على تقدير المؤاخذة ونحوها ، وقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢) فإنّ صحّة ذلك عقلا يتوقّف على تقدير الأهل ، وقولك : «أعتق عبدك عنّي على ألف» أي مملّكا على ألف لتوقّف صحّة العتق عليه شرعا. أو لا يتوقّف على ذلك ، بل يكون مقترنا بشيء لو لم يكن ذلك الشيء علّة له لبعد الاقتران ، كما في قوله عليهالسلام : «كفر»
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٨٨ ص ٢٦٥.
(٢) يوسف : ٨٢.