بعد قول الأعرابي : «واقعت أهلي في نهار رمضان» فإنّه يفيد أنّ الوقاع في نهار رمضان موجب للكفّارة ، وهذا هو دلالة التنبيه والإيماء.
والثاني وهو ما لا تكون الدلالة مقصودة في ظاهر الحال دلالة الإشارة ، كدلالة الآيتين على أقلّ الحمل ، فلو كانت مقصودة بحسب المتفاهم كما لو فرض ورودهما في مقام بيان أقلّ الحمل لم تكن من دلالة الإشارة.
وأنت خبير بأنّ ما ذكروه غير حاصر لوجوه دلالة الالتزام ممّا لا يندرج في المفهوم.
والأولى في التقسيم أن يقال : إنّ الدلالة الالتزاميّة ممّا لا يعدّ من المفهوم إمّا أن تكون مقصودة للمتكلّم بحسب العرف ولو بملاحظة خصوص المقام ، أو لا. وعلى الأوّل فإمّا أن يتوقّف صدق الكلام أو صحّته عقلا أو شرعا أو عادة أو لغة عليه ، أو لا.
فالأوّل هو دلالة الاقتضاء ، كما في الأمثلة المتقدّمة.
وقوله : «نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض» فإنّ صحّته لغة يتوقّف على تقدير راضون ، وقولك : «رأيت أسدا في الحمّام» فإنّه يتوقّف صدق كون الأسد في الحمّام بحسب العادة على إرادة الرجل الشجاع منه. ويمكن أن يجعل تعلّق السؤال بالقرية قرينة على استعمالها في أهلها من غير أن يكون هناك إضمار ، فلا فرق في ذلك بين إضمار اللفظ وحمله على خلاف ما وضع له.
والظاهر أنّ معظم القرائن العقليّة واللفظيّة القائمة على إرادة المعاني المجازيّة من قبيل دلالة الاقتضاء ، كما في قوله تعالى : (... يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(١) وقولك : «رأيت أسدا يرمي» و «جرى النهر» وغيرها ، وإن كان دلالة نفس المجاز على معناه المجازي من قبيل المطابقة بحسب ما عرفت ، ويجري نحو ذلك في حمل المشترك على أحد معانيه.
__________________
(١) الفتح : ١٠.