وأنت خبير بأنّ اختلاف الجنس يلازم الانفصال ، إذ لا يطلب وراءه فاصل آخر ، فيظهر الفرق بين التفصيلين في المجانس ، لإمكان الفاصل المحسوس فيه. وقد يعقل اختلاف الجنس في غير المحسوس فيظهر الفرق فيه أيضا ، ويكون النسبة بينهما من قبيل العموم من وجه.
ولا يخفى بعده ، فإنّ تقييد الفاصل بالمحسوس إنّما يراد به فيما يكون المغيّا محسوسا ، ففي مثل الملكات النفسانيّة وغيرها إنّما يتحقّق الفصل باختلاف الجنس ، ومنهم من جمع بين التفصيلين ، فاكتفى في الدخول بأحد الوصفين ، كما يظهر من الذكرى حيث علّل الحكم بدخول المرفق في الغسل بكلّ من الوجهين. وحكى في التمهيد قولا بدخول الغاية ، إلّا أن تقترن ب «من» نحو : بعتك من هذه الشجرة إلى هذا ، فلا تدخل الغاية حينئذ وتوقف آخرون بين الدخول والخروج (١) ، فلا يحمل اللفظ على أحدهما إلّا بدليل من خارج، ويتصوّر ذلك على وجوه :
أحدها : التردّد بين القولين أو الأقوال وعدم الجزم بصحّة أحدهما أو فساده ، فيتوقّف حينئذ في تعيين المعنى الموضوع له أو المعنى المراد من اللفظ.
الثاني : الجزم باشتراكه لفظا بين المعنيين ، فيكون التردّد في الثاني دون الأوّل ، فيتوقّف حمله على أحدهما على القرينة المعيّنة.
الثالث : الجزم بعدم الدلالة على شيء منهما وصلاحيّته لكلّ منهما إلى أن يقوم دليل على أحدهما ، فيكون موضوعا للقدر المشترك بين الأمرين ، وهذا هو الظاهر من كلام جماعة منهم صاحب الكشّاف ، حيث قال : إنّ «إلى» للغاية ، وأمّا دخولها
__________________
(١) في هامش المطبوع ما يلي :
قال جمال الدين الخوانساري رحمهالله تعالى : لا ريب أنّ «إلى» قد استعمل فيما كان بعده خارجا ، نحو : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ). والظاهر أنّه كثيرا ما يستعمل أيضا فيما كان بعد الغاية داخلا ، كما يقال : سرت من البصرة إلى الكوفة ، والمراد : أنّ الكوفة آخر جزء سار فيه.
ومنه : آية المرافق ، لإجماع أصحابنا على دخول المرفقين ، وحينئذ فيحتمل أن تكون الغاية بمعنى الطرف ، وتكون في الآخر مجازا ، وأن تكون الغاية بمعنى الجزء الأخير ، وتكون في الآخر مجازا والحكم بأحدهما لا يخلو من إشكال ، وللتوقّف فيه مجال. انتهى (منه دام ظلّه العالي).