ويشهد بتبادر المعنى المذكور : أنّه لا فرق بحسب العرف بين (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ) وبين لا إله لكم إلّا الله ، ولا بين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما الأعمال بالنيّات» (١) وقوله : لا عمل إلّا بالنيّة (٢) ولا بين قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(٣) وقولك : ما حرّم عليكم إلّا الميتة ، فهي تتضمّن معنى «ما» و «لا» كما قال النحاة : إنّها لإثبات ما بعدها ونفي ما عداه. وفي الصحاح : أنّه يوجب إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمّا عداه.
وعن أبي عليّ الفارسي في الشيرازيّات : أنّ العرب عاملوا «إنّما» معاملة النفي ، وقد يوهم ذلك ما نسب إليه من القول بأنّها نافية ، وهو فاسد قطعا ، أو أنّها مركّبة من حرفي «إنّ» للإثبات «وما» للنفي ، فحيث يمتنع تواردهما على أمر واحد يجب تعلّق الأوّل بالمذكور والثاني بما سواه ، للاتّفاق على بطلان العكس ، فيكون ذلك هو الوجه في إفادتها للحصر ، فإن اريد توجيهه بذلك بحسب الأصل أمكن ، فهي مناسبة ذكرت لتضمّنها معنى الإثبات والنفي ، كسائر النكات الّتي تذكر بعد الوقوع ، وإلّا فليس المتبادر منها إلّا معنى واحدا ، ولا يفهم منها المعنى التركيبي ، كيف؟ ومن المعلوم أنّ «إنّ» لا تدخل على الفعل، وأنّها ناصبة للاسم ، وأنّها تدلّ على تأكيد ما دخلت عليه نفيا كان أو إثباتا ، وأن «ما» النافية تقع في صدر الكلام ولا تدخل عليها إن.
وقد حكي إجماع النحاة على أنّها لنفي ما دخلت عليه ، وليس في كلام الفارسي ولا غيره من النحاة استعمالها في النفي ، ولا في المعنى التركيبي ، كما نصّ عليه ابن هشام ، بل حكي إجماع النحويّين على بطلان كلّ من المتقدّمتين من استعمال الجزءين في الإثبات والنفي. وعن عليّ بن عيسى الربعي : أنّ ذلك ظنّ من لا وقوف له بعلم النحو ، وأضعف من ذلك دعوى تركّبها من «إنّ» و «ما» الزائدة
__________________
(١) الدعائم ١ : ١٥٦ ، الوسائل ١ : ٣٤ باب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ٦ ، ٧ ، ١٠.
(٢) الوسائل ١ : ٣٣ و ٣٤ باب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٩.
(٣) النحل : ١١٥.