ثانيهما : أنّه لا يكون مأمورا إلّا بعد أمر المأمور فإنّ مجرّد الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء بحسب اللغة ، ضرورة أنّ الأمر بالشيء هو إيقاع طلب الشيء ، وليس الأمر بالأمر به إلّا إيقاعا لطلب الأمر به ، وهو غير إيقاع طلبه ضرورة ولا يستلزمه أيضا ، اذ قد يكون مطلوب الآمر إيقاع المأمور لذلك الشيء بعد أمر من أمره بالأمر ، لتعلّق المصلحة بفعله بعد ذلك ولا يريد إيقاعه الفعل من دون ذلك.
وأنت خبير : بأنّ ما يقتضيه اللفظ على مقتضى اللغة هو الوجه الأخير إلّا أنّ الغالب بحسب الإرادة هو الوجه الأوّل ، لقضاء شواهد الأحوال به بحسب المقامات فإن قضت به بحسب المقام فلا إشكال ، وإلّا فالظاهر حمله على ما هو الأغلب ، ويشهد له ملاحظة فهم العرف حسب ما مرّت الإشارة إليه.
نعم لو قام في المقام قرينة تمنع من الحمل عليه اتّبعت ولا كلام حينئذ. هذا إذا اريد بالأمر أمره به استقلالا. وأمّا إذا اريد تبليغ الأمر بصيغة الأمر فلا إشكال في كونه أمرا به وإن لم يأمر به الآمر ، اذ لا دخل لتبليغ الأمر في تحقّق الأمر ، والظاهر أنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه.
هذا كلّه إذا تعلّق أمره بشيء مخصوص ، وأمّا إذا قال : «مره عنّي بما شئت» فالظاهر أنّه لا يكون الآخر مأمورا إلّا بعد أمر الآخر كما يشهد به العرف ويدلّ عليه اللفظ بحسب اللغة. ولو قال : «مره عنّي بإتيان ما يجب فعله» ففيه وجهان. ولو قال : «مره عنّي بإتيان ما يحبّه زيد» فالظاهر أنّه كالصورة الاولى.
وإن أمره بالأمر من قبل نفسه فالظاهر أنّه لا إشكال في عدم كونه أمرا منه بذلك الشيء بمجرّد ذلك قبل تحقّق الأمر من الآمر. وهل هو أمر منه بذلك الشيء بعد تحقّق الأمر من الآخر؟ وجهان :
من أنّ ذلك الآمر لمّا كان الأمر حاصلا عن أمره فكان قائما مقام أمره وأنّ مفاد الأمر بالفعل هو لزوم الفعل عند الآمر وفي أمره بالأمر به دلالة في العرف على كون ذلك الفعل محبوبا له مطلوبا عنده. ومن هنا ينقدح احتمال كونه أمر به من دون أمر الآخر.