ومن أنّه قد يكون مطلوب الآمر مجرّد أمر الآخر به من غير أن يكون للآمر بالأمر مصلحة في إيقاعه الفعل ، فلا دلالة فيه على تعلّق أمر الآمر به أصلا وهذا هو الأظهر ، ومجرّد كون ذلك الأمر عن أمره لا يفيد تعلّق أمره به. والدلالة العرفيّة في هذه الصورة ممنوعة.
نعم لو قامت هناك قرينة على إرادة وقوع الفعل منه فهو المتّبع. فحينئذ قد يكون آمرا بعد أمر المأمور به ، وقد يكون آمرا به مع قطع النظر عن أمره به أيضا على حسب ما يقوم عليه شواهد الأحوال وقرائن المقام.
وإن أمره بالأمر وأطلق فالظاهر أنّه ليس محلّ البحث في المقام على ما يقتضيه ظاهر تعبيرهم ، ويجري فيه ما ذكرناه من الكلام في المقامين : من كون مجرّد الأمر المذكور أمرا للثالث أو لا بذلك الفعل مع قطع النظر عن أمر الثاني له ، ومن كون أمر الثاني إيّاه بمنزلة الأمر الأوّل قائما مقامه.
أمّا الأوّل : فقد عرفت أنّه الظاهر من العنوان إلّا أنّ كون مجرّد أمره بالأمر أمرا للثالث محلّ نظر ، وليس في إفادته ذلك إلّا من جهة قضاء ظاهر العرف بإرادة التبليغ وجريان المخاطبات على ذلك بحيث ينصرف الإطلاق إليه ، وذلك غير ظاهر. فالقول بإفادته ذلك عند الإطلاق على ما هو الملحوظ بالبحث في المقام نظرا إلى الوجه المذكور غير متّجه. فالأظهر عدم دلالته على كونه أمرا للثالث إلّا أن يقوم شاهد في المقام على إرادة التبليغ بحيث ينصرف إليه اللفظ وحينئذ فلا كلام. وكذا لو قام في المقام شاهد على كون نفس الفعل محبوبا عنده مطلوبا لديه وإن تحقّق في طلبه في الظاهر بواسطة أمر الآخر به فبعد علم المأمور بذلك يجب الجري عليه ولو مع قطع النظر عن أمر الثاني.
وأمّا الثاني : فلا يبعد قضاء الإطلاق به إمّا لكونه توكيلا في الأمر فيكون الأمر الثاني به بمنزلة الأمر الصادر من الأوّل قائما مقامه فإنّ الأمر بالشيء من صيغ التوكيل فيكون الأمر الأوّل توكيلا للثاني وأمر الثالث بالفعل حيث أمره بأمره ، وإمّا لإفادة أمره بالأمر إيجاب طاعته على الآخر.