ألا ترى أنّه لو قال : «مر عبدي بما شئت وما أحببت» ونحو ذلك أفاد عرفا أنّه يريد من العبد انقياده لأوامره والإتيان بما يحبّه ويريده. وحينئذ فيكون الثالث مأمورا من الثاني أوّلا ومن الأوّل بواسطة أمر الثاني به من جهة إيجابه لطاعته لا لكون خصوص الفعل مطلوبا من قبل الأوّل ، كما أنّ إيجاب الله تعالى طاعة المولى على العبد قاض بكون العبد مأمورا من قبل الله سبحانه بأداء ما أمر به المولى لكن من الجهة المذكورة. وهذه أيضا طريقة جارية في العرف يجري في أوامر الرسول والأئمّة عليهمالسلام لإيجابه سبحانه طاعتهم على الأمّة فيكون أوامرهم أمرا من الله تعالى من تلك الجهة ، فعلى الوجه الأوّل يكون الثالث مأمورا من الأوّل خاصّة ويكون وظيفة الثاني إيقاع الأمر من قبل الأوّل ، وعلى الثاني يكون مأمورا من كلّ منهما إلّا أنّ وجوب طاعة الثاني إنّما يجيء من جهة الإيجاب الأوّل.
فظهر بملاحظة ما ذكرناه أنّ مفاد الأمر بالأمر عند الإطلاق كون الثالث مأمورا بذلك الفعل من الأوّل بعد تحقّق الأمر من الثاني ، إلّا أن يقوم شاهد في المقام على إرادة مجرّد أمره بالفعل من غير أن يكون ذلك الأمر من جهة الأمر بالأمر ولا من جهة إرادته لأداء مطلوبه ، وإلّا فظاهر الإطلاق هو ما ذكرناه كما لا يخفى على من تأمّل فيما قرّرناه.
فتلخّص ممّا بيّناه أنّ جهات كون الأمر بالأمر بالشيء أمرا به امور :
أحدها : من جهة فهم العرف كون الفعل محبوبا عند الآمر مطلوبا لديه.
ثانيها : من جهة إرادة التبليغ والإيصال إليه.
فعلى الثاني إمّا أن يكون الأمر الصادر من الأوّل على حقيقته (١) وإنّما يراد به مجرّد إبلاغ الأمر. وعلى الأوّل لا يبعد إرادة الأمر منه على وجه الحقيقة وإن أفاد كونه مطلوبا للآمر الأوّل. وهذان الوجهان يفيدان كون الأمر بالأمر أمرا للثالث مع قطع النظر عن أمر الثاني إلّا أنّك قد عرفت أنّهما يدوران مدار شواهد
__________________
(١) العبارة إمّا ناقصة بسقوط بعض الكلمات منها وإمّا محرّفة.