منها : أنّ ما ذكر إنّما يتمّ في العبادات الّتي يشترط فيها قصد الامتثال ، وأمّا الواجبات والمستحبّات الّتي لا يشترط فيها ذلك فلا وجه للقول بخروجها عن المطلوب بدون القصد المذكور ، إذ المفروض تعلّق الطلب بمطلقها وعدم اشتراطها بذلك.
وفيه : أنّ معنى عدم اشتراط الواجبات التوصّليّة بذلك حصول الغرض المقصود منها بدونه فيسقط التكليف بها حينئذ ، ولذا لو وقعت بغير اختيار المكلّف ـ كطهارة المتنجّس بورود المطر عليه ، أو إلقاء الريح ، أو الحيوان له في الماء ـ حصل المقصود وسقط التكليف عنه بذلك مع القطع بعدم كونه من المأمور به بعينه. فكذا الحال في الأفعال الواقعة من باب الاتّفاق فإنّ مطلق الطلب يستدعي الامتثال ، بل هو بمعنى استدعاء الامتثال ، وهو الإتيان بالمطلوب من حيث إنّه مطلوب. ثمّ قد يكون الحيثيّة المذكورة مأخوذة فيه على وجه الشرطيّة فيكون عبادة ، وقد لا يكون كذلك فيحصل الغرض بدونها ، فيكون الفعل حينئذ مسقطا للتكليف لا أداء للمطلوب بعينه ، لعدم كونه امتثالا للأمر. وكذا الحال في النواهي ، لحصول الغرض بالتروك الواقعة بدون القصد والاختيار مع امتناع تعلّق الطلب بها ، كما سيجيء بيانه في محلّه إن شاء الله تعالى.
ومنها : أنّ من الواجبات والمحرّمات ما يرجع إلى الأخلاق والملكات والاعتقادات ونحوها مع عدم استنادها إلى القصد وإرادة الامتثال.
وفيه : أنّ التكليف في ذلك راجع إلى أسبابها الاختياريّة ، بل الأفعال التوليديّة بنفسها امور اختياريّة ، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور.
ومنها : أنّه لا شكّ في صحّة العبادات ـ كالصلاة ، والصوم ، والحجّ ـ بترك ما عدا الأركان منها جهلا أو نسيانا. وقد تقرّر أنّ الصحّة في العبادة بمعنى موافقة الأمر ، فلابدّ من كونها موافقة للأمر مطابقة للماهيّة المطلوبة ، مع أنّها لو وقعت من العالم الذاكر كانت باطلة، ويلزمه اختلاف الماهيّة المطلوبة باختلاف الجاهل والعالم والناسي والذاكر ـ كما في الجهر والإخفات ، والقصر والإتمام ـ فيكون الناسي مكلّفا بغير ما كلّف به الذاكر.