ويرد على الأوّل : أنّ تصوّره إنّما يستلزم تميّزه في الذهن دون الخارج ، فإنّ الممكن المعدوم لا تميّز له في الخارج أيضا مع إمكان تصوّره في الذهن.
وعلى الثاني : أنّ الّذي يلزم ذات الممتنع عدم وجوده في الخارج لا عدم تصوّره ، فلا يلزم من تصوّره خروجه عن حقيقته. وليس الحال في تصوّر الممكن ممتنعا والممتنع ممكنا إلّا كتصوّر المعدوم موجودا والموجود معدوما ، إذ لا امتناع في تصوّر الأشياء على خلاف ما هي عليها لذاتها أو لغيرها ، إنّما يمتنع انفكاكها عن لوازمها في الوجود الخارجي دون الاعتبار العقلي ، سواء كانت ذاتيّة أو عارضيّة.
نعم لا يمكن تصوّرها على خلاف حقائقها وذواتها ، لعدم كونه تصوّرا لها بأنفسها بخلاف لوازمها وإن كانت من ذاتيّاتها ، لعدم كونها مأخوذة في ماهيّاتها ، لوضوح الفرق بين حقيقة الشيء ولوازمه ، إذ لا يمكن تصوّر الشيء على خلاف ماهيّته ، ويمكن تصوّره منفكّا عمّا يلزمه لذاته.
والأصل في التعليل المذكور ما ذكره الشيخ في الشفاء : من أنّ المستحيل لا يحصل له صورة في العقل ، فلا يمكن أن يتصوّر شيء هو اجتماع النقيضين. فتصوّره إمّا على طريق التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثمّ يقال مثل هذا الأمر لا يمكن حصوله بين السواد والبياض ، وإمّا على سبيل النفي بأن يعقل أنّه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض.
وأيّده بعضهم بأنّ المحكوم عليه في قولنا اجتماع النقيضين مستحيل ليس أمرا خارجيّا إذ لا مستحيل في الخارج ، ولا متصوّرا ذهنيّا وإلّا لزم الحكم بالامتناع على ما ليس بممتنع ، إذ الثابت في الذهن ليس بممتنع ، فلابدّ من توجيهه بأحد الوجهين المذكورين.
وضعفه ظاهر ، إذ المحكوم عليه في القضيّة وإن كان متصوّرا لكن ليس الحكم على الصورة الذهنيّة ، بل على ما له تلك الصورة وهو ذات الممتنع. ولو سلّم فإنّما يراد منها الحكم بالامتناع في الخارج. فالغرض أنّ المعنى الحاصل من هذا اللفظ في الذهن يمتنع أن يوجد له في الخارج فرد يطابقه.