وأمّا ما ذكره الشيخ فمحصّله : أنّ المستحيل لا يمكن تعقّله بماهيّته وتصوّره بكنهه ، وإنّما يتصوّر بوجه من الوجوه واعتبار من الاعتبارات ، ولا يتوقّف الحكم عليه بالأحكام الثبوتيّة والسلبيّة على أكثر من ذلك. فكذا الحال فيما لو فرض تعلّق الأمر والنهي به فيكفي في إمكانه تصوّره بالوجه فلا يرتبط بالمدّعى.
ويمكن التفرقة في ذلك بين ما ذكره من المثال ونحوه ـ كارتفاع النقيضين ـ وبين سائر الممتنعات الذاتيّة والغيريّة ، كشريك الباري سبحانه في أفعاله وصفاته ، فيمكن تصوّر الثاني.
ولا يمكن حصول صورة الأوّل في الذهن ، لأنّ تعقّل اتّصاف الشيء في الخارج بالمتناقضين والضدّين لا يمكن إلّا على سبيل المبادلة دون الاجتماع ، لأنّه حين تصوّره موجودا لا يتصوّر معدوما وبالعكس ، فتصوّره موجودا معدوما لا يمكن إلّا باختلاف الملاحظة. وكذا الحال في تعقّل الجسم أسود وأبيض ، بخلاف المختلفين تقول : هذا حلو أسود ، ولا تقول : هذا أبيض أسود ، فإنّك حين قلت : أبيض ، فقد نفيت عنه السواد ، وحين قلت : أسود ، فقد أنكرت بياضه ، فلا يتصوّر اجتماعهما على نحو المختلفين.
وكيف كان فهذا الكلام ممّا لا ربط له بالمقام على أنّ الكلام في مطلق المستحيل ، ولا شكّ في إمكان تصوّره في الجملة.
وقد اختلف النقل عن الأشاعرة في هذا الباب فالمعروف عنهم إطلاق القول بجواز التكليف بالمحال. قال العضدي : ولم يثبت تصريح الأشعري به فيكون مأخوذا من قوله بالجبر وخلق الأفعال ومقارنة القدرة لها من غير تأثير ونحو ذلك ، فيكون كلامهم في المحال الغيري ـ وهو الّذي يمكن في حدّ ذاته ولا يتعلّق به القدرة الحادثة عندهم ـ وبه خصّ محلّ النزاع في المواقف ، سواء كان من جنس ما يتعلّق به القدرة أولا.
والمستفاد من كلامه في شرح المختصر كغيره : أنّ محلّ النزاع ما يكون ممتنعا بالذات ، كالجمع بين الضدّين لتمسّكه في اختياره بامتناع تصوّره وتمثيله به قال :