وينبغي القطع بالإثم في جميع تلك الموارد إذا تحقّق التكليف فيها قبل حصول الامتنا ، لأنّه باختياره أوجد سبب العصيان وبعدم جواز حدوث التكليف بعد حصول الامتناع ولو بالاختيار لعدم تقصيره إذن في إيجاد سببه. إنّما الكلام في بقاء التكليف الحاصل قبل الامتناع، والصواب عدمه ، كما يأتي في مسألة اجتماع الأمر والنهي إن شاء الله تعالى.
الثالث : قد عرفت أنّ الجاهل قد يمتنع عليه الفعل لجهله ، مع عدم خروجه عند القائلين بالتخطئة عن موضوع المكلّفين بالأحكام الواقعيّة الشأنيّة ، لقضاء الحكمة باطّرادها وتشريعها في حقّ العالم والجاهل على حدّ سواء ، وترتّب الفوائد على تعميمها ليصحّ الحكم على الوسائط بتبليغها وعلى المكلّفين بتحصيلها ، مع وضوح تأخّر العلم والجهل عن جعلها وإنشائها ، فلا يمكن تأخّرها عن العلم بها. ومقتضى ذلك إمكان شمول الحكم الواقعي لما يمتنع وقوعه بسبب الجهل عند ترتّب الفائدة على تعميمه ، واقتضاء الحكمة له مع عدم تنجّزه في حقّ المكلّف حينئذ وعدم ترتّب الذمّ والعقاب على مخالفته. وقد يلحق به السهو والنسيان ونحوهما ، لاشتراكهما معه في العلّة وحينئذ فالممتنع تنجّز التكليف بالمحال.
ولتحقيق الكلام في ذلك محلّ آخر في مبحث التصويب والتخطئة.
ومنها : كونه ممكن الترك فلو وجب حصول الفعل من غير اختيار المكلّف لم يجز تعلّق الطلب به كالمحال ـ كتكليف الأعمى والأصمّ والأخرس والأقطع بترك المحرّمات المتوقّفة على تلك الجوارح والآلات ـ فالنواهي وإن كانت مطلقة لكن يجب تقييدها بموارد الإمكان ، فالتروك الحاصلة بغير الاختيار خارجة عنها وإن كان المطلوب حاصلا بها.
وخالف في ذلك الأشاعرة أيضا لدوران الأمر في أفعال العباد عندهم بين واجب الحصول وممتنع الحصول ، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يكن موجودا ، وما لم يمتنع لم يكن معدوما. فلا يمكن أن يكون على وجه يجوز فيه الوجهان ، لوجوبه مع علّته وإلّا لزم ترجّح الممكن من غير مرجّح. فالمراد من الممكن ما يجوز وجوده بوجود علّته ، وعدمه بعدمها.