الله تعالى لم يكلّف العباد ما لا يستطيعون ، ولم يكلّفهم إلّا ما يطيقون ـ إلى أن قال ـ هذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي (١).
وعنه عليهالسلام : إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحد في ضيق ـ إلى أن قال ـ وما امروا إلّا بدون سعتهم ، وكلّ شيء امر الناس به فهم يسعون له ، وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم (٢). إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.
والمسألة من البديهيّات وعليها إجماع الأصحاب ، والمنكر لا يستحقّ الجواب.
نعم قد يستثنى من ذلك امور (٣) :
الأوّل : أنّه لو كان المأمور جاهلا بامتناع الفعل المكلّف به في وقته ومحلّه ، فقد عرفت في مسألة الأمر بالشيء مع علم الآمر بانتفاء شرطه وجه القول بجواز التكليف به مع كونه من التكليف بما لا يطاق. لكنّ المعروف بين الأصحاب المنع منه إلّا مع جهل الآمر به أيضا ، وهو الصواب. إنّما يصحّ الحكم به في ظاهر الحال ، فإذا انكشف امتناع الفعل تبيّن انتفاء الحكم في الواقع ، ويصحّ إيقاع صورة الأمر به لإرادة تحصيل مقدّماته ، أو ابتلاء المكلّف به وإرادة ظهور حاله ومقامه ؛ وكلا الأمرين خارج عن حقيقة التكليف وقد تقدّم.
الثاني : أنّه لو توسّط أرضا مغصوبة فعن بعضهم جواز اجتماع الأمر والنهي فيه وفي أمثاله ، بل ووقوعه وفعليّته ، وهو من التكليف بالمحال الذاتي ، ومثله التكليف بذي المقدّمة بعد تفويت المقدّمة ، والتكليف بترك الحرام بعد إيجاد سببه. والّذي سوّغه ـ عند القائل به ـ توهّم أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وربما زعم بعضهم أنّه مأمور بالخروج ولا إثم عليه في ذلك من باب ارتكاب أقلّ القبيحين.
__________________
(١) البحار : ج ٥ ص ٣٦ ح ٥٢.
(٢) البحار : ج ٥ ص ٣٠١ ح ٤.
(٣) في هامش المطبوعة ممّا يقرب بذلك الموضع يوجد هذا العنوان : «في الإيماء إلى مخالفته مدّ ظلّه مع والدهقدسسره» ويبدو منه : أنّ هذه المباحث من ابن المؤلّف قدسسرهما. والله أعلم.