وفيه : أنّ القرائن في الأمثلة المذكورة ظاهرة دالّة على إرادة العمل للآمر ، وليس الحال في الخطابات الشرعيّة من هذا القبيل. وقد تقدّم تفصيل القول في ذلك فيما سبق.
هذا كلّه إذا وقع الفعل على سبيل القصد والاختيار بعد العلم بالتكليف على الوجه المعتبر في امكان الامتثال. أمّا إذا وقع على وجه السهو والغفلة عن نفس الفعل أو عن تعلّق الأمر به أو في حال الجهل بأصل الخطاب أو متعلّقاته أو على سبيل الإلجاء والاضطرار فلا يجزي عن الواجب ، لامتناع تعلّق الطلب بغير الفعل الاختياري ـ كالساهي والغالط والمخطئ ـ أو توجّه الخطاب إلى الجاهل المطلق بالأمر والناسي له ونحوهما. فلا يكون الفعل الواقع في تلك الأحوال من المأمور به كما سلف ، ولذلك قلنا باشتراط التكليف بإمكان القصد إلى امتثال المأمور به المتوقّف على العلم بالتكليف وتذكّره ولو على الإجمال على ما عرفت. ففرق بين اشتراط إمكان قصد الامتثال واعتباره قيدا في المطلوب فالمعتبر هو الأوّل ، لامتناع تكليف الغافل. أمّا بعد وقوع التكليف وتذكّر المكلّف فالأصل سقوط التكليف بمجرّد وقوع المطلوب ولو على غير جهة الامتثال ، لأنّ اشتراط القصد إليه أمر زائد على ماهيّة المأمور به ، فيتوقّف اعتباره فيه على قيام دليل آخر عليه. فإطلاق الأمر يقتضي عدم تقييد المطلوب والطلب بقيد زائد على الماهيّة وإن امتنع توجّهه إلى الغافل والجاهل المحض الّذي لا طريق له إلى أداء المأمور به.
نعم قد تقرّر شمول الخطابات الواقعيّة للجاهل والغافل بالتوجيه المذكور في محلّه وإن توقف تنجّزها على العلم والتذكّر. فيمكن القول بوقوع المطلوب إذا اتّفق صدوره عن الغافل لاندراجه في الخطاب الواقعي ، ويلزمه سقوط التكليف به بعد العلم به نظرا إلى اقتضاء الأمر للاجتزاء ، وإذا سقط الأمر الواقعي لم يتعلّق به في الظاهر بعد حصول العلم به.
فهناك فرق بين السهو والغفلة عن نفس الفعل أو عن الطلب المتعلّق به. فالأوّل : لا يمكن اندراجه في المأمور به ، لامتناع التكليف به وظهور الأمر بحسب العرف في طلب الفعل الصادر على وجه العمد دون الغفلة أو الالتباس بغيره.