والثاني : لا يمنع من التكليف بحسب الواقع والاندراج في المكلّف به بعد صدوره على وجه القصد والاختيار ، فإطلاق الأمر يقتضي الاجتزاء به حتّى يثبت تقييده بما يقع على سبيل الطاعة والانقياد كما في العبادات.
وأنت خبير بأنّ هذا وإن كان مقتضى ما مرّ بيانه في متعلّقات مسألة كون الأمر للوجوب إلّا أنّ المانع من اندراج فعل الغافل والساهي في المأمور به يمنع من شمول الأمر للجاهل المطلق والغافل عن نفس الطلب أيضا ، لأنّ استحالة التكليف بالفعل مع غفلة المأمور وذهوله عن ذلك الفعل كاستحالته مع غفلته عن نفس الأمر أو جهله به مطلقا ؛ إذ لا فارق في نظر العقل بين تكليف الغافل عن الأمر والمأمور به ، لاشتراكهما في قبح التكليف في نظر العقل. فكون المأتيّ به أداء للواجب إنّما هو بعد العلم بالتكليف ولو على الإجمال على الوجه الّذي مرّت الإشارة إليه. فلو أتى به قبل ذلك ثمّ انكشف التكليف به لم يكن ما أتى به واجبا حتّى يسقط به ذلك التكليف ، إلّا أن يظهر من الخارج تعلّق الغرض بمجرّد تحقّق الفعل في الخارج نظرا إلى حصول المصلحة المقصودة بمجرّده. فلا إشكال في الاكتفاء به سواء صدر من المأمور على سبيل القصد والإرادة أو وقع على وجه السهو والغفلة ، من غير فرق بين الغفلة عن الطلب أو المطلوب أيضا. وذلك أمر آخر غير ما هو المقصود من النظر إلى مدلول الأمر بمجرّده مع قطع النظر عن القرائن الخارجيّة ، فلا فرق بالنظر إلى ذلك بين الوجهين المذكورين أيضا.
نعم لو فرض علم المكلّف بالطلب والمطلوب معا من غير حصول مانع من تعلّق الطلب به ـ من سهو أو خطأ أو غيرهما ـ كان إطلاق الأمر قاضيا بسقوط الواجب بالإتيان بالفعل سواء قصد به الامتثال والإطاعة أو لم يقصد ذلك ، إلّا أنّه مع الإتيان به على الوجه الأوّل يكون مطيعا مستحقّا للمدح والثواب ، وعلى الثاني يكون آتيا بالواجب من غير أن يكون مستحقّا للمدح والثواب وإنّما يندفع به العقاب.
وأمّا إطلاقات ما دلّ على وجوب الطاعة المتوقّفة على قصد الامتثال فقد مرّ