وما يقال : من أنّ هذا إنّما يدلّ على عدم إفادة الأمر الوحدة أو التكرار بالمادّة ، فلم لا يدلّ عليهما بالصيغة؟
فجوابه : أنّا قد بيّنا انحصار مدلول الصيغة بمقتضى حكم التبادر في طلب إيجاد الفعل. وأين هذا عن الدلالة على الوحدة أو التكرار؟
احتجّ الأوّلون بوجوه :
أحدها : أنّه لو لم تكن للتكرار ، لما تكرّر الصوم والصلاة. وقد تكرّرا قطعا.
والثاني : أنّ النهي يقتضي التكرار ، فكذلك الأمر ، قياسا عليه ، يجامع اشتراكهما في الدلالة على الطلب.
والثالث : أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه ، والنهي يمنع عن المنهيّ عنه دائما ؛ فيلزم التكرار في المأمور به.
والجواب عن الأوّل : المنع من الملازمة ؛ إذ لعلّ التكرار إنّما فهم من دليل آخر. سلّمنا ، لكنه معارض بالحجّ ؛ فإنّه قد امر به ، ولا تكرار.
وعن الثاني من وجهين : أحدهما ـ أنّه قياس في اللغة ، وهو باطل ، وإن قلنا بجوازه في الأحكام. وثانيهما ـ بيان الفارق ، فإنّ النهي يقتضي انتفاء الحقيقة ، وهو إنّما يكون بانتفائها في جميع الأوقات ، والأمر يقتضي إثباتها وهو يحصل بمرّة ، وأيضا التكرار في الأمر مانع من فعل غير المأمور به. بخلافه في النهي ، إذ التروك تجتمع وتجامع كلّ فعل.
وعن الثالث : بعد تسليم كون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه ، أو تخصيصه بالضدّ العامّ وإرادة الترك منه ، منع كون النهي الّذي في ضمن الأمر مانعا عن المنهيّ عنه دائما ، بل يتفرّع على الأمر الّذي هو في ضمنه ؛ فإن كان ذلك دائما فدائما ، وإن كان في وقت ، ففي وقت. مثلا الأمر بالحركة دائما يقتضي المنع من السكون دائما ، والأمر بالحركة في ساعة يقتضي المنع من السكون فيها ، لا دائما.