فإن قلت : إنّ النهي في الصورة الثانية إنّما يتعلّق حقيقة بالخارج وإنّما يتعلّق بالعبادة من جهة اتحاده معها ، فإذا لوحظت تلك العبادة بذاتها لم يتحقّق مرجوحيّة بالنسبة إليها لينافي صحّتها.
قلت : المفروض في المقام تعلّق النهي بذات العبادة ، غاية الأمر أن لا يكون النهي معلّلا بنفس الذات ، والمانع من تعلّق الأمر هو تعلّق النهي بالذات لا تعليل النهي بها. وما ذكر من تعلّق النهي حقيقة بالخارج فاسد ، إذ الحيثيّة المأخوذة هنا تعليليّة لا تقييديّة. فالنهي متعلّق بنفس العبادة ، على أنّك قد عرفت أنّه مع تعلّق النهي أوّلا بالخارج يرجع الأمر إلى تعلّقه بالعبادة ولو من جهة اتّحادهما بحسب الوجود ، وإلّا لم يندرج في موضوع النزاع ، إذ محلّ البحث إذا تعلّق النهي بالعبادة ، ولو لا ذلك لرجع إلى البحث في المسألة السابقة ـ حسب ما تخيّله القائل بجواز الاجتماع ـ على أنّك قد عرفت أنّ الحقّ هناك هو المنع من الاجتماع وإرجاع الأمر في الطلبين إلى جهة الوجود. فعند التحقيق يرجع الأمر فيها إلى تعلّق النهي بالعبادة وإن لم يلتزمه القائل بالجواز حيث توهّم تعلّق كلّ من الأمر والنهي بطبيعة غير ما تعلّق به الآخر.
فإن قلت : إنّ أقصى ما يدلّ عليه الوجه المذكور ـ على فرض تسليمه ـ دلالة النهي المتعلّق بذات العبادة على الفساد دون المتعلّق بجزئها ، إذ لا يتعلّق الأمر هناك إلّا بالكلّ دون كلّ من الأجزاء سيّما على القول بعدم وجوب المقدّمة ، فغاية ما يلزم من تعلّق النهي بجزء العبادة عدم تعلّق الأمر بذلك الجزء ، وهو لا يستدعي فساد الكلّ ، إذ لا يتوقّف صحّة الكلّ على تعلّق الأمر بالأجزاء وإنّما يتوقّف على تعلّقه بالكل.
قلت : من البيّن أنّه إذا تعلّق الأمر بالكلّ كان كلّ من الأجزاء مطلوبا بمطلوبيّة الكلّ واجبا بوجوبه ـ سواء قلنا بوجوب المقدّمة أو لا ، حسب ما مرّ بيانه عند الكلام في مقدّمة الواجب ـ وهو لا يجامع تحريمه بنفسه من جهة تعلّق النهي به ، فمع فرض حرمة الجزء لا يعقل تعلّق الوجوب بالكلّ ، فإنّه إمّا أن يقال : حينئذ