على تقدير رجوع الاستثناء إلى الأمرين إنّما يراد بها ما يزيد على الواحد ، فتكون قد اطلقت في المثال المذكور على رجل من العلماء واستثنى منهم ، ورجل من الظرفاء واستثنى منهم ، وهو خروج عن وضعها إن لوحظ الأمران معا في ذلك الاستعمال ، بأن يكون خروج الأوّل من الأوّل والثاني من الثاني فلا تكون صالحة لذلك ، وإن لوحظ إطلاقها على كلّ منها بلحاظ مستقلّ ـ كما هو الظاهر في المقام ـ كان ذلك من إطلاق اللفظ على كلّ من مصداقيه استقلالا ليقوم الاستعمال الواحد مقام استعمالين ، نظير استعمال المشترك في معنييه ، فيدور جوازه مدار جواز ذلك الاستعمال وقد عرفت أنّ التحقيق المنع منه.
ويمكن دفعه بأنّ النكرة في المقام لم تستعمل إلّا في مفهومها ـ أعني فرد مّا ـ لا غير ، ويكون إخراجها من العمومين دليلا على كون فرد مّا ـ الخارج من الأوّل ـ مغايرا للخارج من الثاني ، فيكون مصداقه بالنسبة إلى الأوّل غير مصداقه بالنسبة إلى الثاني ، ولا يستلزم ذلك أن تكون النكرة قد اطلقت على فردين أوّلا ، أو تكون قد اطلقت على مصداق وعلى آخر استقلالا ليقوم مقام استعمالين ، ألا ترى أنّه لو قال «أكرم رجلا من العلماء ومن الظرفاء» لم يرد عليه المحذور المذكور ، مع كون فرد مّا من العلماء مغايرا لفرد مّا من الظرفاء، وكذا إذا قال «أكرم كلّ عالم» فقد اطلق النكرة على كلّ من مصاديقها لكن بضميمة لفظ «كلّ» فلا منافاة بين الوحدة الملحوظة في معنى النكرة وإطلاقها على المتعدّد إذا كان الدالّ عليه أمرا خارجا وكان المراد بالنكرة نفسها هو فرد مّا كما في كلّ من الأمثلة المذكورة.
خامسها : أن يكون المستثنى من المشتركات اللفظيّة ، فيصحّ عوده إلى الأمرين باعتبار معنييه ، وهذا الوجه مبنيّ على جواز استعمال المشترك في معنييه ، وعلى القول بالمنع فلا صلاحيّة لذلك ، ومن ذلك ما لو قال «أكرم العلماء وأحسن إلى الادباء إلّا زيدا» إذا كان هناك زيدان أحدهما من العلماء والآخر من الادباء ، وإذا اريد بزيد في المثال مفهوم المسمّى به كان من الوجه المتقدّم.
سادسها : أن يكون صلوحه للعود إلى الكلّ بتقسيط المستثنى عليها ، كما إذا