قال «أكرم العلماء وأحسن إلى الظرفاء إلّا الرجلين» فيحتمل إخراجهما من الأخير وإخراج أحدهما من الأوّل والآخر من الثاني ، ولو اريد إخراج رجلين من الأوّلين ورجلين من الثاني كان من قبيل الوجه الرابع ، ومن ذلك ما لو كان المستثنى مشتركا لفظيّا واريد به مجموع المعنيين على أن يكون المخرج من الأوّل أحدهما ومن الثاني الآخر.
وقد يقال : إنّ أداة الاستثناء إنّما وضعت لإخراج المستثنى عن المستثنى منه ، فإن عاد الاستثناء إلى الجميع لزم أن يراد إخراج جميع المستثنى من كلّ من الأمرين ، فإرادة إخراج البعض خارج عمّا يقتضيه وضع الاستثناء ، فإذا اريد من العبارة ذلك فلابدّ أن يلحظ المستثنى منه شيئا منتزعا من العامّين ، فيلحظ إخراج ذلك بالنسبة إليه وهو حينئذ خارج عن محلّ النزاع.
وفيه : أنّه يمكن أن يقال بأنّ أداة الاستثناء موضوعة لمطلق الإخراج لمدخولها من العموم ، سواء اريد إخراج المستثنى من كلّ من العمومين ، أو من أحدهما ، أو إخراج مجموعه من العمومين معا على وجه التقسيط ، فيكون ما استعمل فيه هو إخراج واحد متعلّق بالمجموع عن العمومين معا ، كما أنّ إخراجه عن كلّ منهما إخراج واحد متعلّق بكلّ منهما حسب ما يأتي توضيح القول فيه إن شاء الله ، إلّا أنّ القول بعموم وضع الاستثناء لما ذكر محلّ خفاء.
وأنت خبير بأنّ هذا الوجه من الصلوح لو تمّ فهو خارج عن ظاهر المفروض في كلام القوم ، فإنّ الظاهر ممّا عنونوه للمبحث كون المستثنى بتمامه مخرجا من كلّ من العمومين.
ويمكن أن يقال : إنّ كون المستثنى مخرجا عن كلّ منهما إنّما يتصوّر فيما إذا كان المستثنى بنفسه مندرجا في العامّين ، كما مرّ في المثال المتقدّم فيما يكون المستثنى شخصا معيّنا مندرجا فيهما أو كان مفهومه مطلقا مندرجا فيهما معا ، وأمّا إذا كان بعض مصاديقه مندرجا في الأوّل وبعضها في الآخر فلا محالة يكون رجوع المخصّص إلى العامّين على وجه التقسيط ، فإنّ «من أهانك» في المثال