في حجّية أخبار الآحاد معروف حتّى أنّ السيد رحمهالله ادّعى إجماعنا على عدم حجّيتها ، بل ربّما يدّعى كونه من ضروريّات مذهبنا كالمنع من العمل بالقياس عندنا.
ومع الغضّ عنه فالخلاف في تفاصيلها متداول بين الأصحاب حتّى المتأخّرين منهم ، فإنّ منهم من يقتصر على العمل بالصحيح ومنهم من يقول بحجّية الحسان أيضا ، ومنهم من يقول بحجّية الموثّق أيضا ، إلى غير ذلك من الآراء المتفرّقة ، ومع هذه المعركة العظمى من فحول العلماء كيف يعقل دعوى القطع فيها؟ هذا بالنسبة إلى أصل الحجّية.
وأمّا بالنسبة إلى الدلالة فالأمر أظهر ، لوضوح ابتناء الأمر فيها على الظنّ تارة من جهة ثبوت مفاد ألفاظها وتحصيل الأوضاع الحاصلة لها حين صدور الخطابات كوضع ألفاظ العموم للعموم ، ووضع الأمر للوجوب والنهي للتحريم مثلا ، إلى غير ذلك من المباحث الخلافيّة المتعلّقة بالأوضاع سواء كانت شخصيّة أو نوعيّة ، وكثير من أوضاع الألفاظ مأخوذ من نقل الآحاد تارة من جهة عدم التصرّف في استعمال تلك الألفاظ بإرادة خلاف حقائقها ، أو طروّ الإضمار ، أو التخصيص ، أو التقييد عليها ، إلى غير ذلك.
وما يتخيّل من قيام الإجماع على حجّية الظنون المتعلّقة بمباحث الألفاظ ممنوع على إطلاقه ، وإنّما المسلّم منه ما تعلّق باستعمال المستعمل بإرادة ظواهرها وعدم الخروج عن مقتضى أوضاعها بعد ثبوت الوضع إلى أن يقوم القرينة على خلافه ، وليس ذلك أيضا على إطلاقه ، بل إنّما المسلّم منه خصوص صورتين لا يتعدّاهما ، لاختصاص الدليل بهما :
أحدهما : بالنسبة إلى المخاطب بذلك الخطاب عليه بناء اللغات ، وعليه تجري المخاطبات والمحاورات الدائرة بين الناس في جميع الألسنة من لدن زمان آدم عليهالسلام إلى يومنا هذا ، كيف! ولو لا ذلك لكان تقرير اللغات لغوا ، إذ ليس مفادها غالبا إلّا الظنّ ، وأمّا غير من ألقى إليه ذلك الكلام سواء كان في ذلك العصر