الاستدلالية ، بل حصر جماعة منهم الأدلّة في غيره ، وإنّما تصدّى الشهيد رحمهالله لعنوان المسألة وتبعه المصنّف وبعض من تأخّر عنه ، ولم يتعرّض المصنّف للاحتجاج على نفي حجّيته ، وإنّما تعرّض للايراد على ما احتجّ به الشهيد رحمهالله لحجّيته. فدعوى العلم لمستند الجماعة وحصره في ما ذكره غريب جدّا ، ولو سلّم ذكر الدليل المذكور في كلام جماعة منهم فمن أين يعلم أو يظنّ حصر الدليل في ذلك ، كيف؟ ولو بنى على عدم حجّية مثل هذه الشهرة القويّة القريبة من الإجماع ـ لو قطعنا النظر عن كون المسألة إجماعيّا ـ بمجرّد ضعف ما ذكر من التعليلات في كلام بعض المتأخّرين أو المعاصرين لكان أكثر الشهرات ضعيفة مطرودة ولكان ذلك إذن تفصيل آخر في المسألة غير التفصيل الأوّل ، ويظهر ضعفه بما قرّرناه فلا حاجة إلى تطويل الكلام فيه.
قوله : (ولقوّة الظنّ في جانب الشهرة ... الخ.)
اورد عليه بأنّ بين تعليليه تدافعا ، فإنّ الوجه الأوّل يقتضي العلم والثاني صريح في الظنّ.
واجيب عنه بأنّ كون أحد الدليلين مفيدا للعلم والآخر للظنّ ممّا لا حجز فيه ، ولا يعدّ ذلك تدافعا ، ومثله متداول في الاحتجاجات ، كيف؟ ولو كان كذلك لكان ضمّ المؤيّد إلى الدليل تدافعا وهو واضح الفساد. وأيضا كون دليله الأوّل مقتضيا للعلم على حسب دعواه ممنوع ، فإنّ الظاهر أنّ مراده من قوله : «إنّ عدالتهم تمنع عن الاقتحام ... إلى آخره» هو منعها عن ذلك ظنّا ، إذ المفروض ثبوت العدالة لهم دون العصمة. والعدالة وإن فسرت بمعنى الملكة فأقصى ما يحصل منه الظنّ بذلك دون العلم ، وقوله : «عن الاقتحام على الفتوى بغير علم» أراد به بغير علم معتبر في الاجتهاد من الاستناد إلى دليل معتبر شرعا ، سواء كان قطعيّا أو ظنّيا بالنسبة إليه ، ومع ذلك كلّه كيف يمكن ادّعاء أنّ عدالتهم تمنع قطعا عن الفتوى بذلك من غير دليل قطعي بالنسبة إليه (١) وإلى غيرهم؟
__________________
(١) في «ق» : إليهم.